اظهرت الحكومة المركزية والحكومات المحلية عجزا كبيرا في التعامل مع ازمة السكن ومعالجتها ولم تتمكن هذه الحكومات من وضع علاجات حقيقية لتوفير سكن لائق للعوائل الفقيرة والمتعففة واصحاب الدخل المحدود وباتت العشوائيات والتجاوز على الاملاك العامة علامة فارقة في جميع المحافظات باستثناء محافظات اقليم كردستان مع ما يمثله هذا الانتشار للعشوائيات والتجاوز على الاملاك العامة من خرق للدستور وتعديا على التخطيط الحضاري والعمراني وما يمثله من تشويه لوجه المدن اضافة الى خلق مشكلة امنية يصعب تجاوزها في المستقبل خاصة ما يتعلق باخلاء هذه العشوائيات ومعالجة اثارها البيئية والعمرانية السلبية. ورغم ان ازمة السكن ليست وليدة سنوات ما بعد 2003 الا ان هذه الازمة تعمقت وتوسعت بشكل رهيب بعد هذا التاريخ بسبب غياب الرادع الاخلاقي والقانوني لدى الكثير من غير المعنيين وكذلك بسبب ارتفاع بدلات الايجار وارتفاع اسعار العقارات فكان ان اصبح التجاوز والسيطرة على الاملاك العامة شطارة ومهارة يتسابق الكثير على اظهارها. ومع هذا التجاوز وهذا الارتفاع الجنوي في اسعار العقارات وبدلات الايجار وتفشي البطالة وارتفاع مؤشر التضخم وقفت الحكومة متفرجة وغير مبالية بما يجري على الرض من وقائع فوضوية وكان الامر لا يعنيها حتى تداخلت الصرائف بالفلل وتوسعت العماريات والعشوائيات في كل ركن وزاوية وتشعبت الدرابين الضيقة وعاد منظر العربة والحصان ورعي الاغنام الى قلب المدن ومناطق العاصمة ولم تسعى الحكومات لوضع العلاجات والحلول من خلال الاسراع ببناء المجمعات السكنية واطئة الكلفة او حتى توزيع الاراضي على مستحقيها. وقد يكون من المفارقات العجيبة والغريبة ان تقوم وزارة التخطيط وهي المعنية بتوزيع الاموال ورسم ستراتيجيات بناء البلد وحل مشاكله بتعميق جذور هذه المشكلة وتوسيعها،عندما قامت بتحويل مبالغ بناء المساكن واطئة الكلفة من موازنة المحافظات الى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء لشراء طائرات نقل خاصة لان الطائرات الموجودة لا تليق بمقامهم واستحقاقهم،ومع هذا التجاوز والاستهتار تظهر مجالس المحافظات بمظهر العاجز الغبي لعدم قدرتها على استثمار الاموال التي يتم تخصيصها لها من اجل بناء مجمعات سكنية لاصحاب الدخل المحدود والعوائل المتعففة والارامل والايتام اما بسبب الفساد المالي والاداري المتفشي او بسبب عدم قدرتها على التعاقد مع شركات محترمة لتنفيذ مجمعات سكنية لائقة او بسبب عدم ادراكها لاهمية مهامها. ورغم مرور اكثر من تسع سنوات على تغيير النظام الصدامي المجرم الا ان النظام الجديد والحكومات المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا في معالجة هذا الملف ولم تتمكن من بناء ولو مجمع سكني واحد محترم يمكن ان يشار له بالبنان رغم حرق عشرات المليارات من الدولارات حتى يتم توزيعه على الفقراء والمعوزين. الامر الاكثر ايلاما هو ما تنوي الحكومة المركزية وبعض الحكومات المحلية التابعة من القيام به في المرحلة المقبلة من توزيع بعض الشقق في عدد من المجمعات السكنية التي تم الانتهاء من بنائها قبل فترة ليست بالقصيرة ليس لعدم الحاجة لهذه الشقق بل لان توزيع هذه الشقق يجب ان يقترن بالحملات الانتخابية حتى لو تطلب هذا الامر ان تبقى هذه العوائل في العراء وفي ظروف طبيعية استثنائية لان العلة من وجود هذه المجمعات ليس الفقراء والمساكين انما هو صندوق الانتخابات. شيء اخير يمكن اضافته الى هذه المأسات وهو ان توزيع الشقق لن يكون لمن يستحقها بل سيكون لمن يدفع اكثر وللاقارب والاصدقاء والمتخمين اما المعوزين فليس عليهم ان يعيشوا بشقق لائقة طالما رضيت الدولة بان يكون التجاوز حلا لمشكلتهم،وطالما رضي الناس ان يكونوا جملا ياكل الشوك وينام على التراب ويلتحف السماء بسبب سوء الاختيار والتمسك بهذا الخيار.
مقالات اخرى للكاتب