ترددت كثيرا على السننا طوال السنوات العشر الماضية حد الهوس مفردات التغيير وفي المقدمة منها الديمقراطية والوطنية. وبودي هنا ان اختبر هاتين المفردتين في الخطاب والسلوك معا. خطاب الطبقة السياسية وسلوك الناس. والفرق واضح لان الطبقة السياسية لديها خطاب طويل عريض بينما يطلق على عموم الناس "اغلبية صامتة" لاتهش ولاتنش الا حين يركب السياسيون موجتها فيحولونها بواسطة "ريموت كونترلهم" نحو مظاهرات معارضة واخرى مؤيدة. الديمقراطية في ابسط تعريف لها هي حكم الشعب عن طريق صناديق الانتخاب. والصناديق هي التي تفرز من يحكم ومن يعارض وكلاهما يحكم ويعارض على وفق الدستور. اما الدستور فهو عقد اجتماعي بين ابناء وطن واحد. اماالمواطنة فهي الهوية الجامعة المانعة لكل المنتمين الى هذا الوطن. وهناك بالتاكيد هويات فرعية مثل الدين والعرق والعشيرة والمذهب. الخلط ياتي في سياقين مختلفين. هناك من يرى ان المظاهرات هي احدى ضرائب الديمقراطية المكفولة دستوريا. وفي مقابل ذلك هناك من يريد الربط بين استخدام الحق الديمقراطي المكفول دستوريا وبين مصادرة البعد الوطني في حق التظاهر. وهنا نصل الى نقطة بالغة الحساسية وهي البعد الاجتماعي المسكوت عنه في كيفية التعبير عن هاتين المسالتين. فاذا كان العراق دولة حديثة العهد بالديمقراطية فانه لا اهمية لذلك مادام لايوجد اتفاق على مفهوم للمواطنة بهوية جامعة تكبح الهويات الفرعية التي لاتزال تتسيد المشهد؟ واذا اردنا الكلام بـ "القلم العريض" فما قيمة الحق المكفول دستوريا بالتظاهر اذا كانت هناك مخاوف من امكانية العودة الى مربع الطائفية الاول؟ ان مجرد التفكير بذلك من خلال اوصاف استخدمت لوصف هذه المظاهرة او تلك. او نتيجة التهديد بحشود مليونية كضد نوعي يجعل كل ما نتشدق به من كلام عن الديمقراطية والمشتركات الوطنية اقرب الى حديث الخرافة يا ام عمرو. ومن باب التذكير بالمخاوف فان الشعار الذي يردده متظاهرو الانبار ومتظاهرو النجف وهو "اخوان سنة وشيعة .. هذا الوطن منبيعه" سبق ان ردده الطرفان قبل سنوات قليلة في وقت كانت فيه شرطة النجدة تجمع يوميا 70 جثة من بغداد لشهداء تكرمت علينا قناة "الشرقية" فاطلقت عليهم تسمية "الشهداء المغدورون ". المطلوب ان "نذبحها على قبلة" حتى لايتم خداع الناس في الظروف الطبيعية التي يكون فيها العراقيون "دهن ودبس" بينما يتم اخراج الدهن من الدبس مثل الشعرة من العجينة عندما ترفع صورة اردوغان هنا او صورة خامنئي هناك. هنا تصبح القصة مختلفة وتداعياتها "اقمش". فلا توجد امة تحترم نفسها ترفع صورة زعيم امة اخرى لاي سبب من الاسباب. وفي سياق كل هذه المخاوف ينهض سؤال في غاية الاهمية وهو .. من هو صمام الامان اذن.؟ الديمقراطية؟ الاجابة لا.. لانه ليس من باب الديمقراطية رفع صور زعماء اجانب في مظاهرات يفترض انها وطنية ومكفولة دستوريا بل ذلك من باب التباس الهوية. اية هوية؟ سؤال اخر حاير و"دايخ" في ظل تكاثر الهويات الفرعية .. هويات ما قبل الدولة في وقت تختزل فيه "الطبقة السياسية" الدولة بالسلطة فقط. الجميع يسعون للسلطة وهو ما ادى الى تماهي الموالاة بالمعارضة في مشهد يعيد كل الاسئلة المحجوبة الى الواجهة من جديد والتي لا املك لا انا ولا اردوغان ولا خامنئي ولا حتى المرحوم .. جيفارا اية اجابة عنها.
مقالات اخرى للكاتب