في ظل الأزمة الأقتصادية التي يمر بها العراق نتيجة أنهيار أسعار النفط وأعتماد الميزانية الحكومية كليا على مدخولات مبيعات النفط الخام، والشلل التام الذي أصاب القطاع الصناعي المحلي نتيجة تدمير البنى التحتية للمعامل والمصانع والشركات التي كان منتوجها يضاهي وينافس المنتجات المستوردة ، وهجر الفلاح لأرضه لأسباب عدة أهمها شحة مياه نهري دجلة والفرات وقلة الدعم الحكومي للقطاع الزراعي حتى باتت أسعار الفواكه والخضر المستوردة أرخص كثيرا من الناتج الزراعي المحلي ، أضافة الى ضعف الأجراءات الحكومية فيما يتعلق بتعدد مصادر تمويل الدخل القومي العراقي .
وليس عيبا أن نطلع ونتعلم من تجارب الشعوب التي أستطاعت أن تحول أقتصادها الضعيف الى أقتصاد قوي ومتنوع من أجل زيادة وارداتها المالية والأرتقاء بمستوى رفاهية الفرد والمجتمع لتكون واحدة من الدول المتقدمة ، ومن تلك الدول التي تشكل ظاهرة يجب دراستها ، هي الصين ، التي تعدى عدد سكانها المليار وثلاثمائة مليون نسمة وهي بذلك تشكل ربع سكان المعمورة ، فأي نظام سياسي ذاك الذي أستطاع أن يدير هذا الوطن بهذا الكم الهائل من البشر وهو ينتقل من مرحلة الحرب الباردة الأمريكية - السوفيتية الى ما بعد العولمة الليبرالية والهيمنة الأحادية للنظام العالمي الجديد ، لتقفز الصين بخطوات مقتدرة لتصبح ثاني أقوى أقتصاد في العالم ، كيف أستطاعت الصين أن توفر المأكل والملبس والصحة والتعليم والسكن ، وكيف أستطاعت زيادة الموارد مع الزيادة الهائلة في عدد السكان ، وكيف قلبت المفاهيم الأقتصادية التي تنص على أن زيادة السكان ستؤدي الى أنخفاض الدخل الذي بدوره يؤدي الى أنخفاض مستوى المعيشة ؟
لابد أن ذلك كله في حكم المعجزة ، وهذه المعجزة حققها أناس يحبون بلدهم حبا كبيرا وعملوا وضحوا من أجله الكثير ، آمنوا بفلسفة التسامح والسعي الى التقاسم والأنسجام فيما بينهم وانصهار كل مسمياتهم وقومياتهم وأديانهم من أجل التعايش السلمي لتحقيق التنمية المشتركة وتطوير الذات والمساواة فيما بينهم وبناء الثقة المتبادلة والتعاون والتواصل والأستفادة كل من الآخر والعمل الدؤوب المستمر في كل المجالات من أجل هدف مشترك واحد ، ألا وهو الصين .
أن تطور أقتصاد الصين لا يعزو لحجم سكانها بل الى نوعيته ، فالانسان الصيني يتصف بالطاعة التامة والأدب الجم والتهذيب والترتيب والأنضباط والمسالمة ، والعامل الصيني لا يقارن بأي عامل آخر في أي دولة من دول العالم كونه مطيع وسريع التعلم ، يستغل كل دقيقة من ساعات العمل بجد وتفان دون هدر بالموارد ولا بالوقت .
لقد تعرضت الصين الى الأحتلال والأستغلال حالها في ذلك كحال بقية دول العالم قبل قيام الثورة الصينية بزعامة ماوتسي تونغ مؤسس الجمهورية الصينية ، بلد حطمته جحافل الأحتلال وحروب الأفيون ونهبت خيراته ، ومرت بتحديات كبيرة جعلتها تجدد بشكل مستمر خطواتها نحو التطور فكانت مرحلة النهج الأصلاحي الأقتصادي والسياسي التي سارت عليه الصين منذ ثلاثين عاما كانت نتيجته أنها أصبحت ثاني أقتصاد في العالم .
أن التجربة الصينية حقا تستحق الدراسة من قبل سياسيي العراق ليعرفوا كيف يكون حب الوطن ونكران الذات ، السبيل الوحيد لتطور اليلد وتقدمه وأزدهاره ورفاهية مواطنية...
أودعناكم أغاتي ...
مقالات اخرى للكاتب