يحدثونك عن امرئ القيس. أول شاعر عربي استعان بالقوات الأجنبية على غزو بلاده. ذهب في ذلك الزمن إلى قيصر الروم يستجده عودة ملك أبيه على كندة، وكان مؤسس النظرية السياسية الشهيرة في بيت شعره القائل: نحاول مُلكاً، أو نموت فنعذرا.
وعندما كتب الأديب السوري محمد الماغوط كتابه المثير (سأخون وطني) فإنه لم يخنه، بل لم يجسر على التفكير بمعنى الخيانة. إنما أراد في ذروة بؤسه الإنساني، وإحباطه النفسي التعبير عن خيبة الأمل.
وقرأنا عن جون بول سارتر كيف قاوم الاحتلال الألماني بشجاعة، وكان البير كامو ثائراً بملابس الميدان، وكتب الأديب الأميركي ارنست همنغواي للحرب أكثر من قصة، وتطوع أندريه مالرو جندياً شجاعاً في سلاح الجو الفرنسي يدافع عن قضايا وطنه.
وفي الأيام الأولى من الغزو الأميركي للعراق، سئل الشاعر سعدي يوسف في مقابلة صحفية عن موقفه من العودة إلى وطنه، فكان رده: لم أخرج من العراق مستعبداً لأعود إليه مستعمراً.
ويوم كانت طائرات بوش وجميع أبواش الكرة الأرضية تجهز على أرواحنا بلا آدمية، بقنابل وصواريخ تتساقط فوق رؤوسنا كالمطر، طلع علينا "المفكر" كنعان مكية بكلام غريب، يقول فيه: إن تلك الصواريخ والقنابل التي تقتلنا، إنما تهبط على أذنه كالموسيقى.
الحقيقة الثابتة أن لدينا من مكية أكثر من طبعة أجنبية رخيصة الثمن. فلو أجريت بحثاً سريعاً على شبكة الانترنيت، ستقرأ رسالة لمجموعة من "مثقفي" الدبابة الأميركية، مكتوبة بأرقّ عبارات الوجدان والعرفان والامتنان، مهداة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش لاحتلاله العراق.
هؤلاء "مثقفون" كل شيء لديهم مباح، أو مستباح. يغيّرون أوطانهم بالسرعة التي يغيّرون فيها ثيابهم. يعبدون الدولار وينصاعون لأوامره. يُباعون بدولار ويُشترون بدولار.
أليس من الغريب، أن الذين كتبوا بالأمس رسائل غرام في الدبابة الأميركية حين كانت تقضّ علينا المضاجع، وتهدم سرفاتها البيوت، وزغردوا لطائرات بوش وهي تقصف أعمارنا، وتحرث أكبادنا، وتغتالنا واحداً واحداً، عاد الوعي إليهم في هذه الأيام؟!.
وأكثر غرابة أن نرى دعاة احتلال العراق وتدميره، يصفون أميركا بالمحتل، وبالطاغوت، وبمصنع الإرهاب؟!
الأقلام التي تكسّرت مرة ستبقى مكسورة إلى الأبد، ولو حمل أصحابها الكعبة فوق رؤوسهم، وأقسموا بجميع أسماء الله الحسنى، وبقداسة البيت الحرام أنهم تطهروا من خطاياهم. فكل الخطايا والذنوب مغفورة، إلا أن تكتب قصيدة غزل في بندقية، كانت تقتل الآلاف من أبناء شعبك.
مقالات اخرى للكاتب