* سؤال كبير بحجم فاجعة الرحيل وألم التنكيل وعمق المصائب التي بها أم أبيها وروح أبيها التي بين جنبيه خلال أيام معدودة لم تتجاوز التسعين يوما هي الفترة التي عاشتها الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بعد رحيل والدها خاتم المرسلين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الى جوار ربه، وكيف رحلت ولماذا رحلت بهذه السرعة وهي في عنفوان شباب عمرها والذي لم يتعد الثمانية عشر ربيعاً؛ يطرح نفسه على الساحة الاسلامية والانسانية بوسع الكرة الأرضية منذ يوم الثالث عشر من جمادي الأولى سنة 11 للهجرة المباركة وحتى قيام الساعة وآهات مصابها (ع) منذ رحلت والهدا (ص) ومروراً بفدك وشجرة الآراك وما جرى بين الباب الحائط . فقد سجّل بعض الصحابة أرقاماً فاقت حدّ التصور في الأحداث والانقلاب بعد الرسول (ص) وتفننوا في ايذاء وديعته الوحيدة فاطمة الزهراء وبعلها وبنوها عليهم السلام، فكانوا مصاديق قوله (ص):" ليردنّ علي الحوض رجالٌ ممّن صحبني ورآني، حتى إذا رفعوا الي ورأيتهم اختلجوا دوني، فلاَقولنّ: ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أعقابهم القهقري"- ، وفي لفظ آخر:" ليردن علي الحوض رجلان ممن صحبني، فإذا رأيتهما اختلجا دوني"- مسند أحمد4 : 20 و3: 140 و281 و5: 48 و50 و 333 و 388 و 400 . وراجع صحيح البخاري 6 : 108 / 147 و 179 /261 ـ كتاب التفسير و8: 196 / 113 و214 / 157 و216 / 163 ـ 166 ـ كتاب الرقاق و 9: 83 / 2ـ كتاب الفتن -وصحيح مسلم 4: 1794 / 28 و1795 / 29 و1796 / 32 و1800 / 40 ـ كتاب الفضائل. فما عانته البضعة الطاهرة (ع) من كبار الصحابة هو ما صوره رسول الله (ص) في قوله: "وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، ونور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي : يا محمداه ، فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم على محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ... " - فرائد السمطين: ج 2 ص 34 - 35 والأمالي للشيخ الصدوق ص 99- 101 وإثبات الهداة: ج 1 ص 280 -281 ، وإرشاد القلوب ص 295 ، وبحار الأنوار: ج 28 ص 37 -39 ، وج 43 ص 172- 173 ، والعوالم: ج 11 ص 391 و392 ، وفي هامشه عن غاية المرام ص 48 والمحتضر ص 109 ، وجلاء العيون للمجلسي: ج 1 ص 186- 188 وبشارة المصطفى ص 197- 200 والفضائل لابن شاذان ص 8- 11، وتحقيق المحدث الأرموي. ما عانته سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهرا (ع) خلال التسعين يوماً كان تجسيداً لما ستعانيه الأمة الاسلامية خلال العصور والقرون التي تلت "رزية الخميس" وما آلت اليه "سقيفة" بني ساعدة من بناء ثوابت أموية لعودة الأمة نحو القبلية والجاهلية وتزوير وتزييف الحق والعدالة والمساواة والدين المحمدي الأصيل الذي جاء لانقاذ البشرية من الاستحمار والاستعمار والفرعنة والعبودية والركون والخضوع والركوع لغير الله سبحانه وتعالى، وهو القائم منذ تلك الواقعة الأليمة وحتى يومنا هذا يعصف ببلاد المسلمين فدك آل الرسول (ص) من شماله وحتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه (حوار الامام موسى الكاظم عليه السلام مع الخليفة العباسي هارون حول حدود فدك) من قتل ودمار وسفك للدماء وأسباحة للحرمات والمقدسات والتهاون بانتشار الرذيلة والنهي هن الحق والأمر بالمنكر وتقديم بلاد المسلمين وقبلتهم الأولى على طبق من ذهب لأعداء الله وخلقه ورعيته دون خجل أو استحياء . ففعلوا ما فعلوا ونكروا ما نكروا وانقلبوا على الحق والحقيقة وأرتدوا على ما كانوا عليه ونكثوا ما بايعوا عليه أمام عشرات آلاف من المسلمين في "غدير خم" وذهب قولهم "بخ بخ لك يا علي.." هواءً في شبك وكأن لم يقولوها مطلقاً، فأنكروا الوصاية دون فصل لبعل الزهراء (ع) وغصبوا إرثها ونحلتها (فدك) رغم وقوفهم على حقانيتها عليها وأنها هدية ربانية إكراماً لما أنفقته أمها من مالها الوفير في خدمة نشر الاسلام ولم يكتفوا بذلك فقط، بل فعلوا فعلتهم الشنيعة حيث عصروها بين الباب والحائط رغم علمهم بوجودها خلف الباب بمقولته الشهيرة "وإن" (الامامة والسياسة ج1 ص19) فنبت المسمار في صدرها الشريف وكسروا جنبها، وأسقطوا جنينها، وأرعبوها وأرهبوها وأهل بيتها وطرحوها مريضة الفراش وبقيت على هذه الحالة المأساوية حتى فارقت روحها الطاهرة جسدها نحو ربها في الثالث من جمادي الآخر سنة 11 للهجرة في عام رحيل والدها خاتم المرسلين في 28 صفر عام 11 للهجرة ولكنها دفنت سراً ولا زال قبرها الشريف مجهولاً كما أوصت (ع) بذلك لآنها ماتت وهي واجدة ممن آذوها كما جاء في غالبية كتب كبار علماء العامة نقلا عن عائشة: "ماتت فاطمة وهي واجدة (غاضبة) عليهما (أبو بكر وعمر)" – كما جاء في صحيح البخاري عدة احاديث منها 2862 وكذلك : ج 5 - ص 177 وصحيح مسلم: ج 1 (ملخص) - ص 589 دار السلام - رياض - السعودية وكتاب الامامة والسياسة ج 1 - ابن قتيبة الدينوري تحقيق الشيري ص 31 . وتكررت الصورة ذاتها طيلة أكثر من أربعة عشر قرناً الماضية من نسل الى نسل حتى بعد اعتراف عمر بن الخطاب بأن " بيعة أبي بكر كانت فلتة.. و من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" في حديث صحيح روته جميع كتب العامة ومنها (صحيح البخاري 8 / 210 الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا، 4 / 2130 ح 6830، ومسند أحمد بن حنبل 1 / 323 ح 391)؛ لكن حكام الطغيان والفرعنة والظلم والجور تمسكوا بواقعة "السقيفة" وفتاوى وعاظ سلاطينهم المستندة لأحاديث التزييف والتحريف الأموي البغيظة على الاسلام والمسلمين فعثوا في الأرض فساداً دون مبالاة وقامة قائمتهم هنا وهناك. فذبحوا وفجروا وقتلوا وأستباحوا المحرمات وأراقوا الدماء وقطعوا الأوصال وتفننوا طرق التعذيب والتنكيل بأبناء جلدتهم ودينهم على الهوية والولاء؛ فاغتصبوا الحكم والسلطة كما أغتصبها أسلافهم السقيفة الولاية دون فصل، وعصروا الحق والحقيقة بين الباب والحائط مثلما فعلوا ذلك مشاعل هدايتهم الصنمية وقالوا "وإن"، وسلبوا العباد الحرية والعدالة وبلوغ حقيقة الدين المحمدي سيراً على خطى سيرة الذين يقتدون بهم حيث جمعوا رواة الحديث كبلوهم الأيدي والأواه . فشوهوا صورة الاسلام دين المحبة والرأفة والسماحة ورفض الباطل والظلم ودفعوا بالأمة نحو زعامة بنو أمية معلنين معاداتهم لأهل البيت عليهم السلام جهاراً ببيانات "داعشهم" وأكلوا الأكباد بعد تمزيق الصدور في الشام ليعيدوا ذاكرة فعلة الباغية "هند" مع سيد الشهداء حمزة (ع)؛ وأرسلوا الارهابيين الانتحاريين وفخخوا السيارات وفجروها بالموالين والمحبين لآل بيت الرسول (ص) في العراق وسوريا ولبنان واليمن وباكستان والهند تصويرا لفعلة أجدادهم في عاشوراء، وأستخدموا ابشع أنواع القتل ضد الأطفال الأبرياء واسقطوهم صرعى بالغازات السامة والفتاكة في البحرين ليتذكر الرأي العام العالمي إسقاط الجنين بين الباب والحائط وقتل الرضيع في كربلاء، وسمحوا بحياة الغدة السرطانية "اسرائيل" في جسد الأمة ليجسد لنا البسمار في صدر أم أبيها ومستودع سره فاطمة الزهراء بعد أن عصرها سيدهم وكبيرهم الذي علمهم السحر خلال هجومهم على بين الوحي والرسالة ولم يمض على رحيل منقذهم (ص) سوى ثلاثة أيام، لتبقى آهاتها قائمة منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا وقيام الساعة على يد منقذها الموعود (ع) تعلو وتصدح في سماء المعمورة.. وألا لعنة الله على القوم الظالمين .
مقالات اخرى للكاتب