خروج الملايين من المواطنين العراقيين للتصويت في يوم الاقتراع العام يُعطي انطباعا أوليا على رغبة هذه الجموع بالديمقراطية ولكن من متطلبات الديمقراطية أن ننشغل بالنظام الديمقراطي , وليس بالشخوص السياسية , أي أن المواطن يكون داعما لقيام نظام ديمقراطي في بلاده إذا أهتم أولا بمعرفة أسس النظام الديمقراطي , فما هي أسس النظام الديمقراطي ؟ أن النظام الديمقراطي هو نظام سياسي عام , هو نظام إدارة الدولة سياسيا, متمثلا بالدستور والقوانين والانتخابات وحرية الرأي والتداول السلمي للسلطة , أنه أقرب لشكل السياسة العامة للدولة , فهو ليس شخص تُختزل فيه سياسة الدولة , ولا حزب يتكفل بسن ملامح الدولة , ولا عملية سياسية لا قوانين فيها تنظم التنافس الديمقراطي , وتُحدد المتنافسين , بالمراقبة والعدد , تراقب المنافسة وتضبطها دستوريا وقانونيا, وتقر عدد الأحزاب المتنافسة على الحكم , وهذه تسمى الديمقراطية الليبرالية , والتي ترتكز على المساواة بين الناس , وحث الأمة في أن تُعبر عن إرادتها ، أن هذا المفهوم الثقافي يرتبط ارتباطا وثيقا بمنتظم الاعتقادات وبهيكل العلاقات الشخصية التي تميز مجتمعا من المجتمعات في فترة معينة والتي تتطور , كما يؤكد العلماء الانثروبولوجيون , ببط شديد , وتنتقل من مكان الى آخر بصعوبة , وبكلمة أخرى ؛ أن ما ينقص النظام الديمقراطي عندنا هي فضيلة المواطنة .أن نقل الديمقراطية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق لا يكفي لقيام نظام ديمقراطي بقدر تعلق الأمر بنضوج المواطن , ولهذا علينا أن ننشغل بالنظام الديمقراطي وليس بالشخوص السياسية , فالنظام الديمقراطي هو الغاية التي يعمل على تحقيقها السياسيين , وبالنسبة للمواطنين فإن السياسيين يُعتبرون وسيلة لقيام النظام الديمقراطي , وديمومته , ولكن عمليتنا السياسية الحالية مكنت السياسيين من جعل الديمقراطية وسيلة لقيام نظامهم السياسي كبديل للنظام الديمقراطي , إذ جعل السياسي من نفسه الغاية , أي أنه اتخذ من الديمقراطية وصوت الناخب وسيلة لوصوله الى السلطة , فصار ؛ وبإرادته , لا بإرادة الناس , هو الغاية التي يعمل هو نفسه على هدر كافة الوسائل لبقاءه بالسلطة , وصار النظام الديمقراطي في خبر كان وظل المواطن غير فاعل , وهنا تشكلت قواعد مغايرة للنظام الديمقراطي المعروف ، سيظل السلوك السياسي للمواطن هو المرتكز لقيام واستمرار النظام الديمقراطي , فالتزام المواطن تجاه الديمقراطية يوفر لها عنصر البقاء , ونعني بالالتزام أن يكون المواطن فعالا في سلوكه السياسي , وعارفا بقواعد الديمقراطية , ومثقفا بشروط استمرارها , وإلا ستجد المؤسسات الديمقراطية نفسها وقد صودرت من قبل السياسيين, ومع أن الدولة تتحكم بشق من الثقافة , إلا أن المدرسة , والمنظمات المجتمعية , والإعلام , والفن , وتزايد أعداد النخب المتعلمة والانفتاح ألمعلوماتي على تجارب عالمية عريقة , والدور الفعال للأحزاب السياسية الديمقراطية , من المصادر الحقيقية لمنع قيام حكومة حكم الأقلية , وعلى أساس السلوك السياسي الناضج للمواطن تستقيم الديمقراطية , ويتبلور نظام ديمقراطي حقيقي , ونبتعد عن الوقوع في فخ سلطة الأقلية , ومع أن الإدارة الحكومية في النظام الديمقراطي تمثل أقلية من الشعب , ولكنها أقلية لخدمة الشعب , لا أقلية لنهب واضطهاد الشعب , أي أنها سلطة من الشعب وليست مستقلة عن الشعب , ولكن ؛ يظل السلوك السياسي للإنسان متأثرا بالعرق والوسط الاجتماعي والحضاري فالأقليات القروية ضلت تتحكم بشؤون بلادنا عبر مراحل الدولة العراقية الحديثة , وظل المواطن , بالغالب , متأثرا ببيئته التي غادرها في إثناء الهجرة من الريف الى المدينة , واليوم نجد ملامح الريف حتى في العاصمة بغداد , ومن هذه الجذور والأصول والموروثات نتج السلوك السياسي لرجال السلطة والمواطنين , فتأخر نضوج فضيلة المواطنة , والتعرف على النظام الديمقراطي , وظل المواطن ينحدر باستمرار إلى الاهتمام بالشخصيات السياسية , وليس بالنظام الديمقراطي ..