كما وجدتُ الكتابة في الكهرباء بلا جدوى ، كذلك الكتابة في النظافة ُتعد اليوم ترفا في نظر البعض ، وقلما يستنزف مداده في غير مراده ، وامنيات بعيدة ليس للدولة قدرة على تحقيقها ، وهي تعيش في دوامة الارهاب والتفجيرات وتناثر اشلاء عباد الله بسببها ، واجواء الخلافات والمناكفات ، وحراك السياسيين الذي لم ينته بعد حول التغيير الوزاري ، وبالتأكيد لم تكن النظافة من بين من يشملها التغيير .. فما علينا غير ان نتحمل ، ولكن ما العمل اذا لم تعد بنا طاقة للتحمل ؟!!
فالنظافة ( ام المناصب ) كلها ، اذا جاز التعبير ، واقصد بها دوائر البلدية ، بدءا من عامل النظافة ، وانتهاء بوزير البلديات في أي دولة في العالم ، ولا تقل اهمية عن أي وزارة سيادية ، إن لم تتقدم عليها ، لأنها تعكس هيبة الدولة والقانون وقوته في الشارع ، ومستوى التمدن والحضارة واحترام حق الانسان في الحياة من خلال بيئة نظيفة .. فمن أين للدفاع والداخلية بمقاتلين أشداء أصحاء ، إذا داهمت الشعب الاوبئة والامراض..؟!.. لذلك حث الدين على النظافة ، لان الاسلام نظيف ، وعدها الرسول الكريم ( ص ) من الايمـــان …
والايمان ليس منصبا ، فقد تجده عند رجل فقيرأمي لا يحصل على قوت يومه ، وقد لا تجده عند وزير ، أو رئيس لا يرى الله في خلقه ، وفي حق شعبه عليه..
وقد إستبشرت أنا شخصيا خيرا بالسيدة أمينة بغداد الدكتورة ذكرى علوش قبل أن تباشر بعملها، كونها سيدة أعطت في تصريح سبق استلامها الوظيفة أملا للبغداديين بأن تكون بغدادهم نظيفة ، وبحلة جديدة تغاير ما أل اليه وضعها ، وهو في متناول اليد ماديا وفنيا ، رغم الوضع المالي الصعب وقلة التخصيصات بعد تدهور اسعار النفط ..
وكثيرا ما برىء مريض من مرض خطير لازمه مدة طويلة ، بعلاج لا يكلف سوى مبلغ زهيد جدا ، قد يكون بحدود الألف دينار، أو أكثر بقليل ، وهو مبلغ لا يقاس بما أنفقه سابقا ، من مبالغ كبيرة جدا ، وتكبده معاناة قاسية ، بسبب عدم تشخيص المرض بدقة ، ولذلك ذهبت الأموال التي صُرفت ، والجهود التي بُذلت هباء منثورا ..
ويمكن أن ينطبق ذلك على بغداد أيضا ، إذ يمكن لامين بغداد ان يعيد لبغداد جمالها بمدة قصيرة من خلال مفردة النظافة ، بعد أن توارى وجهها الجميل وراء صخب الفوضى ، والتجاوز على شوارعها ، وأصبحت تلال النفايات والانقاض والاوساخ من المعالم الجغرافية لمناطقها.
وهيبة الدولة في العالم ليست في حماية الحدود فقط ، بل في أمن الشارع ايضا ، وفي احترام النظام ، وقوة القانون ..
والامن مفهوم واسع ، يشمل كل مرافق الحياة ، ومنه الامن الصحي والوقائي والبيئي .. فأين دوائر البلدية من ذلك ؟!.. ولماذا لم نسمع ( مفردة ) النظافة و( الشؤون البلدية ) في حراك بعض السياسيين .؟ !….وأين الاصلاح من إعادة الهيبة للنظام ، والتجاوز على الشوارع ، وتركها بدون صيانة ، وتحولت الى حفر وبرك ، ومكبات للنفايات من ضعاف النفوس ، ورمي قناني المياه في أي مكان يشاء ( الرامي ) ،، ومصادرة حق المارة في الارصفة ، أو عندما تتحول ابواب البيوت الى ورش غسيل و(كراجات ) للسيارات ، دون تقدير لقيمة الجمال والنظافة ، بتصور واهم أن بامكانه أن يفعل ما يشاء بالرصيف ما دام أمام بيته ، أو محله ، وكأنه ملك شخصي ..
فالنظافة ليست بذلك التعقيد .. وكم من سيدة فقيرة تجد بيتها رغم تواضع أثاثه لكنه في غاية النظافة والترتيب والجمال ، على العكس من إخرى ميسورة الحال وتسكن في بيت جديد ، لكنه في غاية الاهمال والقذارة والفوضى…
وكم من رجل تجده في ( أخر شياكه ) ويجيد التنسيق بين ربطة عنقه وقميصه وبدلته ، ويستقل سيارة حديثة ( أخر موديل ) ، لكنه لا يقدر قيمة النظافة ، ويرمي قنينة الماء ، أو اعقاب سيجارته من شباك سيارته ، غير مكترث لما تحدثه من تداعيات سلبية على الناس والسيارات ..!
ومن تجارب العالم ، بما في ذلك دوله الفقيرة ، تجد أن النظافة لا تحتاج الى تكنلوجيا متطورة ، وخبرات أجنبية ، وعمالة مستوردة ، بل تحتاج الى عامل نظافة ، ومشرف ميداني ، ومتابعة من أعلى المستويات للعملية ، وتماس مباشر بالشوارع والازقة ، والاحياء ، وتطبيق النظام ، والقانون ، ومساحات خضراء من إنتاج مشاتل المدينة نفسها، وهي أمور بسيطة في مقدور أي مسؤول بلدي أن يقوم بها في منطقته ..
فهل هذا عمل مُعجز ..؟!
ذلك ما سبق قلناه ، ولم يسمعه أحد .. ولذلك تكون الكتابة فيه ترفا ، وترتيب كلمات لا أكثر، في نظر البعض ممن يعنيه الأمر … وما دام لا يترتب عليه أي أثر ، فلم الحراثة في البحر ؟!!…
{{{{{
كلام مفيد :
لا نعجب من الكاميرا بمختلف أنواعها أن تسجل حياة الانسان ، في حركاته وسكناته ، وكل ما يقوم به ، ونستعرض ما سجلته بعد وفاته .. فهل يعجز الخالق سبحانه وتعالى عن تسجيل ما يقوم به المخلوق وهو القائل جل جلاله ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) ….. سورة النور 24
مقالات اخرى للكاتب