عندما يهيمن الفساد على جميع مظاهر الحياة يظهر الفشل بقوة ، الفساد من اهم مقومات الفشل ، في اجواء الفساد يصبح النجاح مستحيلا ومستغربا ، الفساد يساوي الفشل ، الفساد يشبه ثقبا في خزان ماء فمهما ملأته لا يمتلئ ، في أجواء الفساد يتحول المسؤول التنفيذي الى خطيب ، فتصريحاته لا يقابلها على الارض شيء ملموس ، في السابق يوصف الكذب بأنه (كلام جرايد) أما الآن فيوصف الكذب بأنه (كلام مسؤولين) ، الفساد يجعل كل المسميات زائفة وافتراضية ، الدولة افتراضية ، الحكومة افتراضية لانها غائبة على الأرض ، الفساد لا يسمح بنمو سلطة الى جانب سلطته ، او قانون ضد قانونه ، لايسمح للمصلحين بالوصول الى مواقع العمل الحكومي ، الفساد يتسع وينتشر في مساحات جديدة وسط التجهيل والتخدير واشاعة الالتباس والغموض ، هناك تعتيم على تعريف الفساد ، انه أزمة أخلاقية سببها ترك الالتزام بالقيم والمعايير الشرعية والقانونية والعرفية مع عدم الشعور بالذنب مع عجز الرادع الديني والقانوني والعرفي الذاتي للفاسدين ، ثم توقف الروادع الأخرى وأهمها العقوبة القانونية او العقوبة الاجتماعية . ابرز اشكال الفساد سرقة الأموال العامة ، او استخدامها لتحقيق منافع خاصة ، في القرآن الكريم وردت صيغة (فسد) وتصريفاتها 50 مرة ، وبعد ذم الفساد والوعيد عليه في تلك المواضع يأتي قوله تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ للمتقين). الغريب في الأمر ان بعض الفاسدين يقرأون القرآن ، وبعضهم من اصحاب السابقة الحسنة ، لكنهم رسبوا في امتحان السلطة ، ولكي يتخلصوا من تأنيب الضمير يختلقون الذرائع لفسادهم ، والغريب ان الفساد امبراطورية كاملة فيه تخطيط وتنفيذ وأمن وحماية ومرجعيات واعلام ! هناك فاسدون يملك احدهم من الأموال والعقارات والارصدة ما يكفي لتمويل محافظة باكملها لمدة سنة ، فاذا سأله ضميره : من اين لك هذا ، او من أحل لك هذا ؟ يجيبه فورا بأجوبة جاهزة بعضها يرقى الى مستوى الفتوى ! ومنها : ان هذه دولة احتلال ، وانسحاب المحتلين منها انسحاب شكلي ، فهذه اذن اموال المحتل وما اقوم به هو (استنقاذ أموال) من ايدي الطغاة ! ان لهذا المبرر شكل الفتوى ! ففي وقت تحرم المرجعية العليا كل انواع الفساد والاختلاس نجد مرجعية خفية تحل ذلك لاتباعها ، ويجد اصحاب (التبعيض) فيها فرصة لاسكات صوت الضمير! هناك تبرير آخر للفساد يقول : اني مظلوم وبهذه الأموال استرجع حقي الذي يساعدني على العيش الكريم مثل بقية مواطني دول النفط ! وحول الرشوة يقسمون باغلظ الأيمان انها ليست رشوة بل هي هدية يقدمها صاحب معاملة عن طيب خاطر ، فيما يصر اصحاب العمولات التي يأخذونها من الشركات العملاقة مقابل عقودها بأنها مكسب حلال لأن الشركة تمنح نسبة لمن يسهل لها عقودها ، وهي اموال عامة بلا جدال اذ لو جلس آخذها في بيته لما نالها ، ومنهم من يقول بأنه يأخذ هذه الاموال انتقاما من النظام السياسي الحالي الذي لا يؤمن به ، فهو يقوم بعمل جهادي لذا فقد يثاب على فساده !! ومنهم من يقول بأن هذه الأموال التي تجمعت لديه هي رزق وثمرة للدعاء وانه يدفع خمسها وزكاتها وينفق منها على الفقراء والمحتاجين والارامل والايتام وهذا يكفي لاحراز طهارتها وحليتها ! هذه المبررات قد تؤدي الى اسكات الضمير مؤقتا لكنها لا تغير من الحقيقة شيئا ، انه فساد بكل المعايير .
مقالات اخرى للكاتب