مولانا كله بركة ، من رأسه الى اخمص قدميه ، عندما يتكلم ، يتكلم بقوة واقتدار ، و ثقة بالنفس ، وايمان لايتزعزع ، لحيته الكثة وجبينه المعفر بالتراب اضفيا عليه هالة من الوقار والبركة ، لايهدا ولايتوقف عن الحركة ، دائم الاسفار والتنقل بين الاخوة الاحباب ، يوزع بركاته عليهم ، كتلة من النشاط "الدعوي"المتنقل ، لايبخل على الناس بارشاداته ونصائحه النفيسة ، يوزعها يمينا وشمالا باسلوب اخاذ سلس ينفذ الى القلب والروح بسرعة البرق و بخاصة عندما يطلق العنان لروحه الظريفة ان يأتي بنكتة طريفة او يسرد حكاية عجيبة للترفيه عن النفس وترطيب الجو "لزوم الدعوة" ، يحشر انفه في كل شيء ، ومن حقه ان يحشر ، فهو واسع المعرفة ، كثير الثقافة ، فلتة من فلتات الدهر ، موسوعي متنقل ، له المام واسع في دقائق الحياة البشرية ، واطلاع عميق في العلوم الورائية والماورائية ، بارع في الغوص الى الحياة الخصوصية للانسان ؛ اكله ، نومه ، همساته ، نظراته ، علاقاته العاطفية وغير العاطفية ، حالاته النفسية وكل مايمت له بصلة ، باعتبار ان الدين يمثل "الحياة" وانه يمثل الدين ، اذن فهو يمثل الحياة ، بمن عليها وماعليها ، وله الحق "الشرعي" بالتدخل في حياة الانسان و التكلم بأدق تفاصيلها .على اساس ان لاحياء في الدين ..مولانا ليس متخصصا في علم من علوم الدين ، بل في العلوم "الدينية"كلها ، العلوم الوحيدة في عصر التخصصات التي لا تخصصات فيها ! وقد تلقب بالعالم العلامة ، وهذا لقب تشريفي كبير ابتكر حديثا على ما اعتقد ، فريد من نوعه ، لا اعرف ان احدا من حاملي الشهادات العلمية غيرالدينية تقلد مثل هذا اللقب الرفيع ، ولم يعرف المسلمون الاوائل مسميات من هذا النوع وغيرها مثل حجة الاسلام وايات الله والامام وغيرها الا مع سقوط حضارتهم ، وقد تاتي كخطوة لابعاد الدين عن المؤسساتية وربط المجتمع برجال الدين وابقائه تحت نفوذهم الواسع ، وهذه الخطوة اعتبرها انحرافا عن الاسلام باعتباره منهجا مؤسساتيا لايعير كثير اهتمام بالقدرات الفردية خارج الاطار المؤسساتي ( من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ..) (وما محمد الارسول قدخلت من قبله الرسل أفإن مات او قُتل انقلبتم على اعقابكم..) وكثير من النصوص التي ترفض شخصنة الدين ، ان ترك المجتمعات الاسلامية نهبا لبعض الفكر السائب وفتاواه الفلتانة عرضها لكثير من المصائب والكوارث واهدار مواردها الاقتصادية ، ناهيك عما لحق بالاسلام من شبهات وسمعة سيئة ، وقد تتحمل تلك المجتمعات جزءا من وزر هذه الكوارث ولكن الوزر الاكبر يقع على الحكومات الاسلامية التي ساعدت بشكل او اخر ولغايات سياسية في ابراز دور هؤلاء "العلماء" في المجتمع ، ولم تدعم بالشكل المطلوب النشاط الدعوي للمؤسسات الدينية التي انحصر دورها في المناسبات والاحتفالات الدينية واصدار الفتاوى الاجتماعية ! وتأدية الاعمال البروتوكولية ، وفي ظل غياب الدور الحقيقي لتلك المؤسسات وابتعادها عن معالجة المشاكل الحيوية للمجتمع كالسياسة والاقتصاد والقضايا التي تخص الشباب ، وعجزها في مواكبة العصر ، تصدى لهذه المهمة دعاة غير تقليديين ذات خلفيات اجتماعية وجذور ثقافية مختلفة وبقدرات علمية متواضعة ـــ في الغالب ـــ ، الامر الذي اثر على الخطاب الاسلامي كثيرا وعرضه لخطر الفوضى والتشتت .. انا لااريد هنا ان انتقص من قدر علماء الدين او الدعاة ودورهم في توعية المجتمع ، بقدر ما اريد ان احصر نشاطهم في مؤسسات علمية اسلامية فعالة ، بدل ان يقوده افراد قد يصيبون وكثيرا مايخيبون... ربما ان اعتمدنا الاسلوب الجماعي المؤسساتي قد نخفف من حدة التخبط الذي يشهده العمل الدعوي في مجتمعاتنا ، ونضع بالتالي حدا للأهواءات والقرارات الفردية في ان تتحكم في قضاينا الحيوية .