اشبع يا سيادة الرئيس الجديد من المعلقات ، والمذهبات ، والمجمهرات ، والبيان والتبيين ، وقصائد الفخر والمديح ، والألقاب ، والرتب ، والأوسمة ، والنياشين ، كما شبع منها رفاقك القدامى .
اشبع من القصور الفواحة بالرحيق ، ومن الحرس والعسس ، ومن عبارات التفخيم والتعظيم ، ومن التحيات والانحناءات ، ومن مدائح الحاشية ، وتزلف المتسلقين ، وبرقيات الولاء والتأييد ، والعهود الممهورة بفداء الروح والدم .
سيقولون : أنك قابلت الهزائم بالانتصارات ، والجبروت بالرحمة ، والانتقام بالعفو ، والعنف بالتسامح ، والكراهية بالحب ، والظلم بالعدل ، واليأس بالأمل ، وفتحت قلبك وعقلك لنور عهد جديد .. وأنك تحترم الطوائف كلها ، والأديان كلها ، والقوميات كلها .. وأنك شمس العراق وقمره ، وسيفه المرصّع بأسماء الله الحسنى .
سيكتشفون في مديحك بحوراً شعرية جديدة لم يكتشفها الفراهيدي ، وقصائد لم يأت على ذكرها أبو تمّام في حماسته ، ويؤلفون الأغاني ، ويتغنّون بمفاخرك ، وينحتون لك التماثيل ، ويرفعون الصور ، وتتملكهم في مقامك نوبات من بكاء .. سيصافحونك بيد ، ويغطون عيونهم باليد الأخرى ليمسحوا عنها بقايا الدموع .
إنها دموع من سعادة وفرح يا سيادة الرئيس .
سيكتب المتملقون : أنك ارتفعت فوق شغاف قلوبهم ، حين ملأت قلبك بحب الملايين .
سيحلفون الإيمان المغلظة ، أن الزمان كان عقيماً ، يبحث عن بطل مثلك وسط الأعاصير والزلازل ، فجاء هذا اليوم ، وجاء هذا البطل .. وأن النصر لا يأتي إلا على أيامك الخالدة المجيدة ، ويُقسمون : أن هذا الوطن كان يبحث فيك عن عزّه ومجده ، وأنك لست مجرد سياسي ، أو قائد ، أو زعيم .. بل أنت المفكر العبقري ، والمنقذ الأعظم ، والبطل التاريخي .
سيقولون : أنك رافع مشاعل الضياء حتى الفجر القادم في عصر الظلم والظلام ، والعبد المخلص لدين الله الحنيف ، والزعيم الأوفى ، والقائد الأوعى ، والقمر المنير .
وسلام عليك سلام ، ونور لقلبك نور .
ستفرد لك الصحف مقالات وأعمدة وافتتاحيات ، أنك تحاسب نفسك قبل أن تحاسب الآخرين ، وأنك تأبى التدخل الخارجي مهما كان مصدره ، وترفض أن تكون تابعاً لأية دولة في العالم ، ولا تستورد أفكارك من الخارج ، ولك القدرة العجيبة على الخروج من الأزمات .
وما تشاء يا دولة الرئيس ما تشاء .. والى الأمام ، إلى الأمام .
ستسمع من الألفاظ ما ليس في طاقتك أن تسمع ، وترى من الصور ما لم تحلم أن ترى ، وتلتهب العواطف بالنداء ، وتتفجر المشاعر المكبوتة في الأعماق .
وفي كل مرة يعثر الدولار على عباد وعبيد .
سترى فريقاً من الانتهازيين حواليك . يسيرون في الخط نفسه لمن كان قبلك ، وفي رؤوسهم الأفكار ذاتها ، وعلى شفاههم ذات الكلمات ، التي حفظوها عن ظهر قلب من العهود السالفة .
التزوير واضح ، والتلفيق مكشوف ، والممثلون جاهزون .. أشهد أنهم منافقون .