يقول الشيخ محمد عبده:ليس من الحكمة أن تعطي الرعية مالم تستعد له ؛فذلك بمثابة تمكين القاصر بالتصرف بماله قبل بلوغه سن الرشد وكمال التربية المؤهلة والمعدة للتصرف المفيد ؛على أن الأصلاح ألتربوي والتعليمي وألأجتماعي ألمتدرج وطويل ألأمد هو أفضل ألحلول ؛وأن الأصلاح يبدأ بالمجتمع وثقافته قبل البنية ألأساسية .بدأ {لي كوان يو}مؤوسس سنغافورا ألأول {1965-2000} في كتابه الضخم {العالم الثالث}بخطاب للشباب ؛الذين أعتبروا ألأستقرار والنمو والرخاء قضايا مسلما بها ؛مذكرا أياهم {لاتستطيع تجاهل حقيقة أن ألنظام ألعالمي وألأمن ألشخصي وألتقدم ألصناعي وألأجتماعي والرخاء وألأزهار ؛ليستا من ألنظام ألطبيعي للأشياء ؛حيث واجه بالتخطيط السليم وألرؤية الصائبة كل الصعاب والعوائق التي لم تزل تعيق ألكثير من ألبلدان في ألعالم ؛على الرغم من صغر مساحة ألبلاد والتعدد ألأثني بكل مايرمز أليه من ألتعدد ألطائفي والقبلي والأيديلوجي.
وكما يقال ألبدايات ألخاطئة لايمكن أن تؤدي ألى نتائج صحيحة وهذا ماحصل في تكوين ألدول ألعربية ومنها ألعراق ؛حيث بقية ألخلافات قائمة بين مكوناتها منذ تأسيس الدولة ألعراقية في بدايات ألقرن ألتاسع عشر ألى يومنا هذا .فلم تؤسس على أسس منهجية تعتمد ألتطور ألمتدرج في تثقيف ألناس في قبول ألرأي ألأخر ونزع ألعادات والتقاليد ألسيئة ؛ألتي تربى عليها بالتدريج لكي يتسنى ألبدأ بأقامة دولة تعتمد ألنظام ألمؤسسا تي ألقائم على منهج تعليمي وثقافي ؛وتنزع من عقول ألناس عوامل ألفرقة والحقد وألكراهية بين مكوناته ؛بل تركتها على حالها من جيل ألى أخر ؛فأصبحت نظرة ألناس للدولة ومؤوسساتها على أنها ألطرف ألأخر ألمعادي ؛لأنها لاتمتلك رؤية حديثة في أقامة علاقة تربط ألمواطن بالدولة ؛بحيث يصبحوا كتله واحدة منسجمة ومتكافئة ؛بل أستغلت ألخلافات ألأثنية وألطائفية وألدينية في تثبيت سلطاتها ؛وأخذت تقرب طرفا وتستعديه على ألطرف ألأخر وبمرور الزمن يتوسع ألشرخ بين مكوناته وأصبح قانونا لايمكن تبديله.أصبحت ألخلافات هي السائدة تتدرج من التنابز بألأفكار على أساس طائفي أوعرقي؛ وتوسعت بحيث أصبح ألتناحر بالمفخخات وألعبوات ألناسفة وألأنتحاريين وألأستقطابات لهذه الدولة أو تلك على أساس طائفي أو عرقي هي العرف ألسائد؛وتم أغتيال مفهوم ألدول ونهاية دولة ألقانون ؛فلا يوجد في الوقت ألحاضر أحترام أو أعتراف بمفهوم ألدولة ؛فأصبحت ألعشيرة وألمذهب وشريعة ألغاب هي التي تحكم فلم يعد للعقل وألمنطق وألقانون قيمة تذكر .
وللتدليل على فشل النظام ألتربوي وألتعليمي ؛هو مايجري في الوقت الحاضر من ظهور تسميات وصفات أعتقدنا قد أصبحت من ألماضي ؛مثل صفة { ألمعيدي } ألتي تطلق على ألفلاحين و{الشروكي } ألتي تطلق على ألذين هاجرو ألى بغداد في خمسينيات ألقرن ألماضي واستوطنوا بها ؛وألتي يضع بعض العراقيين أللوم على ألشهيد عبد ألكريم قاسم مؤوسس الجمهورية ألعراقية ؛بأنه هو ألذي ساعدهم في سكناهم في بغداد وكأنهم قبائل الفلاشا جاؤا من أثيوبيا وليسوا عراقيون!!وألغريب أن هذه ألظاهرة أخذت تنتشر حتى في أوساط ألمتعلمين ؛ففي نقاش عن ألأوضاع في العراق بيني وبين طبيب يعيش في بريطانيا منذ عشرات ألسنين ؛قال لي أنت معيدي وشروكي ؛وهو لايعرف أنه مدحني بدلا أن يهجيني لجهلة ؛فطبقة ألمعدان ؛ومعناها في الأرامية ؛هي طبقة أصحاب ألمهن ألحرفية في المجال ألزراعي والصناعي وكانوا يعتبرون في زمن ألبابلين من ألطبقات ألوسطى التي تعتمد عليهم ألدولة في أدارة قطاعات ألدولة في مختلف ألمجالات ألحيوية ؛والمنجزات ألتي حقوقها في بناء الجنائن ألمعلقة وألتي تعتبر من ألعجائب السبعة ؛التي أنبهر في هندستها وروعتها كبار المهندسين في العالم ولم يستطيعوا معرفة أسرارها ألعجيبة!!.فالعربي يحتقر ألمهن ألحرفية وخاصة البدو منهم ؛ففي السعودية ودول الخليج يحتقرون من يشتغل في المجال الصناعي والزراعي ؛ويعتمدون على العمالة ألوافدة من الخارج؛ولا يتصاهرون معهم ويطلقون عليهم بالحساوي في بعض الدول ألعربية لأنهم يمتهون الزراعة؛فلا غرابة أن يحتفظ الطبيب الذي يعيش في بريطانيا بهذه العقلية الجاهلية العفنة في عقله ألباطن.
كيف نستطيع أن نقيم دولة حضارية ونحن نحتقر أخواننا في الوطن ؛كل هذا بسبب التربية الخاطئة في سياسة اقامة قواعد ألدولة ومنهجها ألتعليمي وألتربوي ؛فأذا كنا بهذه العقلية فكيف يمكن تأسيس ألدولة وعلى أي منهج ؛يضرب ألمواطن من قبل ألشرطي أو ألغني أو صاحب ألعشيرة ولا يستطيع ألقانون ألسائد نصرته وأعادة أعتباره كأنسان كامل ألحقوق وألواجبات؛دخل كاميرون رئيس وزراء ألسابق الى أحدى ألكافتريات لشراء كوب قهوة ؛وعندما وصل الى ألنادلة أخبرته أن هناك طابور وعليه أن يحترم ألنظام ؛خرج من ألمحل ؛وأصدر بيان أعتذر شخصيا الى ألنادلة والى ألناس عن تصرفه؛لأنه يعرف أن ألنظام لايسمح له بخرق ألأعراف وألقوانين التي يتوجب عليه أحترامها بصفته مواطن ؛ونحن نرى سيارات ألمسؤولين تخرق قواعد ألمرور وتضرب ألمارة وتعاقب من يقف في طريقها ؛وشيخ العشيرة ورجل ألدين فوق ألقانون وألنظام !!وألمفسدون يتمتعون بالحصانة من كتلهم وعشائرهم وطوائفهم وهم فوق ألقانون ومن يسرق دجاجة بسب جوعه يضرب ويسجن وربما يعذب .قدمت نائبة بريطانية قائمة بأجور النقل أثناء زياراتها الى منطقتها ألأنتخابية وعند تدقيقها ؛أتضح أن هناك فرق بحوالي 150 باون ؛أضطرت للأعتذار وأرغمها حزبها على ألأستقالة ؛لو كان هناك دولة أو قانون في ألعراق ؛لكنا لانحتاج ألى سجون في ألعراق بمساحة أبو غريب ألجغرافية لأيواء ألمفسدين ماليا وأداريا وقانونيا ؛بدلا من رؤيتهم يتمتعون بالمليارات في ألدول ألعربية وألأوروبية ويمدون ألمجاميع ألأرهابية بما يحتاجونه من أسلحة ومال لقتل ألشعب ألعراقي المظلوم!!.
فتحي ألمسكيني؛فيلسوف وكاتب تونسي؛يقول ؛أن ألعنف ألسياسي كارثة على أداب ألدولة في مجتمع ما؛أذ حين يصبح ألقتل وجهة نظر يلجأ اليها ألمواطن ضد أخر؛فذلك لايعني سوى ألأستغناء عن وجود أو ضرورة ألدولة نفسها؛وكل من يتجرء على أستعمال العنف ضد اشخاص يعتبر تصنيفهم بكونهم غرباء نسقيين ؛أو أعداء نهائيين ؛هو شخص يضع الدولة خارج ألمدار؛وكل وضع للدولة خارج ألمدار يعني تحديد نشاط حالة الطبيعة وأستعادة ألة ألحرب كقوة حيوية بلا أي ضمانات مدنية
مقالات اخرى للكاتب