التفشي المرعب للكوليرا والمخاوف من تحولها لوباء، حلقة من مسلسل ماس ينام ويصحو عليها العراقيون، فلا يمر يوم الا ونسمع عن أعداد جديدة من المصابين، وبعدما وقع الفأس بالراس تحرك البيئيون والصحيون لاحتواء الاصابة بإجراءات بدأت بحملات توعية عن كيفية الوقاية من الاصابة، كما شملت إجراءاتهم اغلاق مطاعم ومواقع بيع المأكولات غير المجازة، اضافة للتركيز على تعقيم المياه تعقيما مثاليا يضمن القضاء على مسببات المرض. تأتي هذه الاجراءات بعد دق ناقوس الخطر الذي مثلته الاعداد المتزايدة للمصابين بشكل مضطرب، الناقوس ايقظ المعنيين وعزز قناعاتهم بأن الاجراءات التي دأبوا عليها لم تكن كافية، وأن معالجة الخلل في منظومات انتاج وتوزيع الماء الذي يعاني قصورا في بعض مفاصله .
أن تقييم نوعية المياه لا يحتاج لمختصين أو مختبرات تحليل دقيقة، فاللون والطعم والرائحة مؤشرات صارخة على خلل كبير تعانيه منظومة الاسالة. ربما يقول قائل ان المعنين في محطات تصفية وضخ المياه يقومون بواجبهم على أكمل وجه، أقول ان وصول الماء للدور يحتاج لمنظومة نقل محكمة، أذ ليس من المعقول أن تعاني في بعض المناطق من تهشم يجعل من اختلاط مائها مع مياه المجاري والامطار الملوثة أمرا حتميا.
قال لي يوما أحد مصلحي مضخات المياه المستخدمة في المنازل ان نسبة غير قليلة من الاعطال في المضخات التي يقوم بإصلاحها سببها ما يدخلها من حصى وأطيان، ما يعني بأن أمراضا أخرى قد أصابت المستهلكين قبل الكوليرا. فكثير من الميسورين عمدوا لشراء محطات تنقية مياه منزلية مضمونة النتائج، أما الفقراء فبعضهم اعتمدوا على غلي الماء واخرون يعاودون وضع (الشب) لترسيب العوالق والاطيان ومن ثم تعقيمه بحبيبات الكلور .
فكرت كثيرا بهذه المصيبة واهتديت لطريقة بسيطة جدا وغير مكلفة، تعتمد على التبخير والتكثيف بالاعتماد على حرارة اشعة الشمس فقط عن طريق طلاء الحوض باللون الاسود القادر على امتصاص الحرارة، التكثيف يحصل تحت زجاجة مائلة أعلى الحوض المحكم، في نهاية الزجاجة انبوب لتجميع القطرات المتكثفة، انتاجية هذه الطريقة قليلة جدا الا اذا استخدمت مساحات كبيرة، وما ان حققت أولى نتائجها المشجعة حتى سارعت لعرضها في ورشة عمل اقيمت بعنوان (تقنيات ومعالجات مشاكل مياه البصرة). في الورشة تحدث المختصون عن معالجات عالية الكلفة وبعضها تحتاج لألواح شمسية او لمواد مستوردة، لكن المفاجأة المرعبة التي افزعتني والحاضرين ما طرحه الدكتور عماد الشاوي حول التأثيرات المستقبلية للطحالب الحمر التي بدأت تغزو شط العرب بسبب ارتفاع ملوحته، الشاوي قال لي بان لها تأثيرات سمية وان كمياتها في تزايد مالم تنخفض نسبة الملوحة الناجمة عن المد الملحي.
ما طرحه الشاوي وغيره زاد تمسكي بجهازي المتواضع وحفزني لتطويره عن طريق تسليط اشعة اكبر عليه بالمرايا العاكسة ما زاد من كفاءته .
ارسلت الفكرة لعشرات من اصدقائي، تفاعلوا معها على الفور لأن كلفته الجهاز زهيدة أضافة لكونه معقم جيد للمياه فالحرارة التي تتكون تحت الزجاجة مرتفعة جدا، والاهم من هذا وذاك ان المنظومة مغلقة تماما وغير معرضة لدخول الاتربة او مواد غير مرغوب فيها، وهنا أجد من المفيد ذكر أحد التعليقات الطريفة على هذه الطريقة من أحد أصدقائي الظرفاء حيث قال ” صفي بيدك محد يفيدك”.
مقالات اخرى للكاتب