مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا لنحو 22 سنة، يحمل شرف بناء هذا البلد الناجح بين مجموعة نمور آسيا المعروفة. هذا الرجل قال قولته المشهورة في جهوده لبناء بلده "عندما أردنا الصلاة إتجهنا صوب مكة وعندما أردنا بناء البلاد إتجهنا صوب اليابان". وهو بهذا يريد أن يقول إن لكل عمل وجهته الصحيحة عليك التوجه لها إن أنت أردت إنجاز عملك بنجاح. فمهاتير - ومن تبعه - عند إداء الصلاة يتوجه - كمسلم - نحو مكة، أو بعبارة أخرى حينما يريد التعبد يتوجه نحو الله، وتلك هي الوجهة الصحيحة حسب الأختصاص (إن جاز التعبير). أما في حالة بناء البلاد فهو يتوجه الى اليابان أو أمثال اليابان، لأن البلدان المتطورة إقتصادياً وتكنولوجياً هي التي ستنفعك في البناء فهذا من اختصاصها.
رب قائل من المهووسين بالدين سيقول إن التوجه الى الله تعالى وحده يكفي، فهو قادر وهو على كل شيئ قدير! هذا الوصف لله صحيح بقدر تعلق الأمر بإمكانياته وقدراته. نعم هو قادر ولكن الله لا يقوم بإنجاز الأعمال نيابة عن البشر كما يوشك أن يدعي هذا المهووس. صحيح إن الله - جل جلاله - أعان بعض رسله وأنبيائه في اجتراح بعض المعجزات، كما يخبرنا القرآن والسنة، أما الأمر مع باقي الخليقة فالله لا يقوم مقام الناس بإنجاز أعمالهم، وإنما يعينهم بواسطة القوة المعنوية التي ستتوقّد بمن يتوجه له وهو يؤمن بالله صادقاً. ذلك أنك طالما كنت تؤمن بالله وتتوجه له من أجل العون فإن معنويتك سترتفع وعزيمتك ستقوى وإقدامك على الأنجاز سيزداد. هذا ما سيفعل لك الله، وهذا شيئ عظيم طبعاً، فإنك بدون معنوية وعزيمة وإقدام سوف لن تفعل الكثير، ولربما لن تفعل شيئاً، ويكون نصيبك كنصيب الجندي الذي تنهار معنوياته وتخور قواه وهو في ساحة المعركة، إذ هو سيرمي سلاحه ويهرب أو يُسلّم نفسه للعدو، هذا إذا لم يكن نصيبه القتل. ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فإن الله يحتقر الأنسان القاعد عن العمل إن كان ذلك الأنسان صحيح البدن، وإليك المقولة العراقية الدارجة التي تقول على لسان الله "إعمل يا عبدي وأعينك، واقعد يا عبدي واهينك". خلاصة القول أن مهاتير محمد صحيح في سياسته، فهو يتوجه صوب الكعبة في حالة التعبد وصوب اليابان في حالة بناء البلاد.
على أن الذي يحيرني، ونحن في موضوع التوجه الى الله واليابان، هو السؤال التالي: الى أين توجه أغلب السياسيين المتأسلمين وغير المتأسلمين الذين تسلموا مقاليد الحكم في العراق بعد سقوط النظام السابق؟ عجبي هل توجهوا صوب مكة في حالة التعبد وصوب اليابان في حالة البناء، كما فعل قائد ماليزيا مهاتير محمد؟ أنا أجد صعوبة في تصديق ذلك لأن الذي يتوجه نحو الله وهو صادق النية لن يرتكب في حق بلاده شتى الجرائم وشائن الأعمال، من بينها سرقة المال العام والقتل والتزوير واللعب وإهدار الوقت والأنحراف عن جادة الصواب في خدمة الوطن.
أما التوجه صوب اليابان وأمثال اليابان فيقيني أنهم لم ولن يفعلوا. صحيح إننا سمعنا بأنهم ذهبوا زَرافاتٍ ووُحداناً، الى اليابان، بل والى العديد من بلدان العالم، ولكن ليس بنفس توجهات مهاتير محمد الوطنية، وإنما ذهبوا إيفادات هدفها في الصميم هي "الونسة" إضافة لملئ الجيوب (طيارة درجة أولى + "ليالي و أكل بلاش" بفنادق الدرجة الأولى + 600 دولار "بالجيب" لكل ليلة سفر. أما ما هي حجتي في هذا الأدعاء؟ إن حجتي - إذا وضعنا جانباً فضيحة احتلال نحو ثلث العراق من قبل أسفل خلق الله - هي حالة وطني الخَرِب ومأساة شعبي المستلب! إن كان حقيقة أن هؤلاء توجهوا صوب اليابان كما فعل مهاتير، فإن هذا الرجل الشريف بَنا بلاده أحسن بناء، فأين بناء هؤلاء؟ إن الذي أشاهده، كما يشاهده كل عراقي، بلداً متهالكاً باقتصادٍ ميت لا يمكنه الأستمرار بالعيش إلاّ على ريع النفط المتناقصة قيمته تبعاً لتناقص الأسعار. والبنية التحتية ماذا عنها؟ جوابي إنها خراب في خراب! أما مدن العراق فهي مستمرة بالتهرُّؤ والأندثار، تقودها في الأنحدار عاصمة العراق بغداد. آه وا حَزَني على بغداد..
مقالات اخرى للكاتب