في الوقت الذي تعجُّ و تضجُّ العاصمة والمحافظات الأخرى باليافطات والشعارات والمقولات و " البوسترات " الدينية , ومعزّزة بأعدادٍ غفيرةٍ من صورِ رجالِ دين من الأحياءِ والموتى , وعلى الرغمِ منْ أنَّ تلكنَّ الكتابات والمقولات قد جرى وضعها ونصبها وتوزيعها بشكلٍ غير هندسيٍّ ولا فنيٍّ وعشوائيّ " حيثُ لا توجد في العراق أمكنة مخصصة لعرض مثل ذلك , فبالمقابل يلمس المجتمع ارتفاع معدّلات الجريمة الجنائيه والعنف السياسي .! بالإضافةِ الى التطوّر التقني لأساليبِ العصابات والميليشيات في عمليات الإغتيال والتفجيرات المتنوّعة التي تعصفُ عصفاً بالمواطنين بنحوٍ شبهِ يوميّ , وذلك يدفع اوّلَ ما يدفع الى القولِ والتساؤلِ بأنْ ما فائدة عرض وملء الشوارعِ والساحاتِ بهذهنَّ المقولاتِ والصورِ والشعاراتِ .!؟ ولماذا صرف هذه الأموال عليها - ودونما سؤالٍ من اين أتت هذه الأموال .!؟ - , والتساؤلُ هذا يجرُّ الى الإمعانِ في التفكّرِ بأنه طالما لا توجدُ في العراق مراكزُ أبحاثٍ ورصدٍ واستطلاعٍ , للتعرّفِ من خلالها على تأثيراتِ هذه الشعارات والمقولات المنصوبة على " المتلقي " , فإنَّ هذه اليافطات ومشتقاتها تكونَ نوعا من العبث , كما انه من العبث الآخر أن يراود تفكير الأحزاب المُمسِكة بالسلطة في إنشاء وتأسيس وفتح مثل هذه المراكز البحثية ... وتجدرُ الإشارةُ هنا الى أنَّ الغالبية العظمى من دول العالم تخلو من هذه الظاهرة في شوارعها وساحاتها , بل انَّ البديل عنها هو الأعمال والنُصُب والرسوم الفنية التي تندرجُ ضمن خانة تجميل وتزيين المدينة وما لها من تأثيراتٍ نفسيةٍ ايجابية على الجمهور , أمّا التشبّث والتمادي في كتابةِ وعرض مثل تلكم اليافطات المنصوبةِ على قواعدٍ معدنيةٍ او سواها , فأنه ليسَ سوى نوع من انواع التخلّف ومن ترسّبات منتصف القرن الماضي الذي كانت تمارسهُ بعض انظمة الحُكم من بلدان العالم الثالث , للترويجِ الى بضاعتها السياسية , او لتسويغِ صعودها الى السلطة عبر ثوراتٍ او انقلاباتٍ عسكرية , وبغية ضمان ديمومتها في السلطة من خلال إقناع وتخدير الجماهير ودغدغةِ مشاعرها الوطنية والقومية من نواحٍ نفسيةٍ وغيرها , وقد عفا الزمنُ عن كلِّ ذلك , وامسى ذلك منتهِ المفعول والصلاحية وذو تأريخٍ قديم . . وفي الواقع : فأنَّ التأمُّلَ بعُمقٍ في مضامينِ وفحوى تلك المقولات واليافطات والشعارات الدينية , يوصِلُ المرء الى نتيجةٍ واحدةٍ مفادها : انّها تزرع الحزنَ في النفوس , ولا سيّما اذا ما لاحظنا التفنّن - سلباً - في كيفيةِ وضعها ونَصبها وعَرضها في أمكنةٍ لابدّ على المواطنِ أن " يصطدمَ " بها منذَ الصباح اثناءَ توجّههِ الى مكانَ عملهِ , فهل يُرادُ للصباحِ المشرقِ أنْ يغدو بدايةَ حُزنٍ يفتتحُ بها يومه .!؟ . إنّهُ من غيرِ المعروفِ " بالكاملِ والمطلق " اذا ما ظَنَّ الذين كتبوا ووزّعوا واشرفوا على عرضِ ونَصبِ تلكنَّ الشعارات والمقولات والصور وما الى ذلك , بأنّها سوف تأسر وتُسيطر على فِكرِ وقلوبِ ورؤى ومشاعر الجمهور ..!!؟ , ومع الإشارةِ الى أنَّ الكُثرةَ المُتضخّمه من هذه اليافطاتِ المعروضةِ على شكلِ لوحات.! , ستؤدّي وتقودُ - سايكولوجياً - بالذينَ يمرّونَ من أمامها الى العزوفِ عن التأمّلِ والتفكّرِ بها , انطلاقاً - على الأقلّ - من مقولةِ " الزائدِ كالناقصِ " , والى ذلك : فأنَّ " الدعاية والأعلان " لها شروط خاصة في علم الإعلام , وتتطلّب الإحاطة حتى بتفاصيلها الجزئية , وتصل فيما تصل اليه حتى الى الأخذ بنظر الأعتبار " سرعة المركبات والعجلات في الشوارع التي توضع فيها يافطات وصور الدعاية السياسية , والزاوية التي توضع فيها , وحجمها وارتفاعها والألوان المستخدمة فيها , ونوع الخط الذي تُكتب به وهذه ليست سوى امثلة مختارة ضمن تفاصيلٍ كثيرة بهذا الشأن . والى ذلك ايضا : ألا يفكّر القائمون على إعداد ونصب وعرض اليافطات والصور وما الى ذلك بأنها ستلقى تجاوباً نفسيا من من فئاتٍ وطوائفٍ وقومياتٍ اخرى في المجتمع ؟ او عَدَمِه في الأتجاه المعاكس .! لاسيما اذا ما اخذنا بالأعتبار أنّ الأحزاب الدينية التي تتولى السلطة في العراق هي احوج ما تكون الى كسب قطاعات الجماهير بمختلف الوانها الزاهية . ويقيناً أنَّ ايّةَ جهةٍ سياسيةٍ او دينية في مختلفِ دول العالم , تمتلكُ برنامجاً سياسياً واقتصادياً فعّالاً لتطرحه على شعوبها , فهي ليست بحاجة الى تعليقِ يافطاتٍ تحملُ شعاراتٍ او مقولاتٍ او صورٍ لأشخاصٍ غادروا الحياة منذ ازمنةٍ بعيدةٍ او قريبه , فالشعوب اخذت كفايتها من ذلك واصابها الملل , فهل يُرادُ للمواطن او المجتمع بالعودةِ الى الماضي والتأريخ أمْ بالأخذ بيده نحو مواكبة ما تزدهرُ به الشعوب والمجتمعات الأخرى ... !!
مقالات اخرى للكاتب