ذكر عبود الشالجي في كتابه( موسوعة الكنايات العامية البغدادية)، ان المرحوم يوسف العطا، مفتي بغداد، وهو من الموسوسين في امور الطهارة، يزور صديقه يوسف السويدي، فيعبر الجسر ويخترق سوق العكامة، متجها الى خضر الياس، وحدث ذات يوم ان وجد السوق موحلا، قد صبت فيه قرب من المياه، واصاب الوحل طرف ثوبه، فانزعج وغضب وتلفت، فابصر الحاج جواد الشكرجي وهو من وجهاء الشيعة، واقفا بباب دكانه، فصب عليه جام غضبه، فقال له: انتم تصبون الماء وتقطعون طريق المسلمين، فقال له جواد الشكرجي: والله يا افندي ان مأموري البلدية، هم الذين رشوا الطريق، وصبوا الماء، فالتفت اليه دون ان تفتر حدته وصاح به: اذن لماذا تسبون الصحابة؟، فضحك الحاج جواد وقال: افندي، قل انك تريد ان تتعارك، والا فما علاقة رش الطريق بالصحابة.
ولو اردنا الانصاف لعكسنا الحكاية تماما، ولكان مفتي بغداد هو جواد الشكرجي، بدل يوسف العطا، ولمر في السوق ، وتلطخ طرف ثوبه، واتجه بعدها الى يوسف العطا وثار بنفس الحدة: لماذا تقطعون طريق المسلمين؟، وسيكون جواب مفتي بغداد، افندي البلدية هم من رش السوق، فيثور الشكرجي بحدة: اذن لماذا تكفرون الشيعة؟.
عملية لاتخلو من المزاح المر الذي تأصل في النفوس فبلغ ذروته في نصرة الطائفة وتفضيلها على الوطن، دائما يبحث العراقيون عن التعادل، او الفوز طائفة على طائفة اخرى، اما الوطن فهو شيء آخر، لايستحق المجازفة او التضحية، عهود خاوية كان الانسان العراقي فيها يعيش المحنة والتشتت، ظهرت على سطح احداثنا لتحيل الوطن الى اشلاء يمزقها ابناؤه في كل حين وتحت انظار العالم الذي جهد في تفتيت هذا الوطن واذكاء النزاع الذي يحرق الاخضر واليابس فيه.
لقد دخلنا اللعبة، وصارت المهاترات الطائفية تدخل البيوت من الفضائيات المشبوهة يوميا، المقدم المثقف يقبض ثمن تمزيقه لبلده عدة دولارات، ويدافع عن الطائفة بقلب محروق، هذيان محموم واعلام موجه ومتلاعبون بالعقول وجدوا ضالتهم في طائفتين فقط، وفي تصويرهم لحال المجتمع العراقي، ينكر المثقفون مقدمو البرامج، من الذين يتحكمون بوعي البسطاء، ينكرون انكارا مطلقا وجود اي نزاع طائفي، ويلقون الكرة في ملعب السياسيين، لاياسيدي الاعلام مدان لانه مزق العراق.
المتلاعبون بوعي الناس، لو قيض لاحدهم ان تقع بيده هذه الحكاية، لكان صنع منها صدرا رحبا يفيض بالحقد والطائفية، ولسب وشتم وقدّم وأخر، ولكان المرحوم يوسف العطا بوجهة نظر الاعلامي المتشبع بالطائفية، او المأجور يصلى نارا ذات لهب مع يزيد ومعاوية وفلان وفلان، جميع الامم تتقبل الرأي الآخر، الا نحن، سيوفنا بايدينا والجنة والنار تقفان الى جانبنا، اقتله وسيذهب الى النار، وان قتلك ستذهب الى الجنة.
لم يطرأ الحب ولايوم الحب على بالنا في يوم ما، ليصل الامر الى تجريم المحتفلين بهذا اليوم، لانه يؤثر على قدسية المدن، انظروا ماذا يفعلون، يوم الحب يؤثر على قدسية المدن، والدماء التي تجري كالانهار لاتؤثر على قدسية المدن، رحم الله ابطال حكايتنا فقد كانوا اقل طائفية، ربما كنا نقابل من يسخر من مذهبنا بضحكة ونمضي، ونتصافح معه في اليوم الآخر، الامر لايعدو ان يكون سوى مزحة تاريخية القت بظلالها على وطننا، وعلينا ان نخلص الوطن منها، ببساطة كبيرة لننظر الى الانسان، انه انسان فقط، ويستحق العيش والاحترام، ونناقشه بعد ذلك، ندافع عن آرائنا ويدافع عن رأيه، لنتصافح بعدها ونذهب، ونترك القول المأثور: لماذا تسبون الصحابة، او لماذا تكفرون الشيعة؟.
مقالات اخرى للكاتب