عندما تأسست وزارة حقوق الانسان، تصاعدت صيحات المباهاة بهذا المنجز الذي تميزنا به عن دول المنطقة، واصبحنا متفردين بهذه الوزارة التي تعد من خصائص النظام الجديد.
لكن، ماذا قدمت هذه الوزارة على مستوى الحقوق؟.
بالتاكيد انها لم تتصد يوما لوقائع الانتهاكات المستمرة، كما لم نقرأ عنها تقريراً واحداً ترصد فيه، مجرد الرصد، الممارسات المنافية لحقوق الانسان، وكان دورها منحصراً على السكوت عن الخروقات التي ترتكب في مجال حقوق الانسان، واذا تكلمت ، فانها ستكون اما مدافعة للاجهزة التنفيذية المتهمة بفضائح ضد الانسانية، او نافية لها بالجملة، محاولة تقليص دائرة التهم، من خلال جعل الاساءات المنافية لحقوق الإنسان، مجرد ممارسات فردية.
الغريب انها لاتعترف بالتقارير التي تصدر عن منظمات دولية، والتي ترصد واقع حقوق الانسان في العراق، وهي بالتأكيد تعتمد على وقائع على الارض وليس مجرد تهم جاهزة، مع ان هذه المنظمات كانت معتمدة قبل التغيير في 2003، وكان معارضوا امس، حكام اليوم، يعدون تقاريرها وثائق لاتقبل الخطأ لتوجيه التهم الى النظام السابق، فما الذي تغير؟.
اذا كانت التقارير المحلية الخاصة بحقوق الانسان يمكن الطعن بها على اساس انها قد تكون مسيسة، فما الذي يسيس منظمة ، مثل ، العفو الدولية، أو هيومن رايتس ووتش، ضد حكومتنا.
كان بالامكان ان تؤدي وزارة الحقوق دورها الطبيعي لو اضطلعت بمهمة الدفاع عن حقوق الانسان، والتي من ضمنها حقوق المعتقلين، لكنها يبدو من واقع ارتباطها المصيري بالحكومة جعلها تدور في فلكها من دون الخروج ولو بكلمة عن محورها، وهذ ما دفع جهات حقوقية الى الدعوة الى تشكيل منظمة حقوقية مستقلة، مالياً وادارياً، كي تستطيع ممارسة المهمة الموكلة بها بعيداً عن تحكمات الحكومة.
وفيما كانت هناك منظمات حقوقية محلية ودولية تصدر تقاريرها بشكل دوري، او بناء على معلومات خطيرة عن انتهاكات انسانية ترتكب، لم نسمع تقريراً واحداً يصدر عن وزارة الحقوق يفضح مثل هذه الممارسات ، ويكون مصداقاً للمثل القائل "مركتنة على زياكنة" ولو لمرة واحدة، بل دائما تظهر صدى للاحداث، لكن ليس على اساس المدافع عن الحقوق ، وانما المدافع عن المنتهكين، لذى تجدها ترد او تدحض تلك التقارير الدولية في الغالب، وتسعى للطعن بصحة ما ورد فيها.
وهذا ما حصل في تقرير صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية، اشار فيه الى ان العراق لا يزال عالقا في حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الانسان، منها تعذيب المعتقلين والمحاكمات الجائرة، وهذا التقرير يتفق تماماً مع المواطن الذي يتعايش مع هذه الانتهاكات.
لكن وزير الحقوق محمد شياع السوداني له رأي آخر على هذا التقرير الذي وصفه بالمجافي للحقيقة، مسارعاً الى ذكر بعض شكليات العمل الديمقراطي التي تمثل حقوق الانسان، كالانتخابات، وما ادعاه من تداول سلمي للسلطة، وحرية التعبير، وان كان هناك عدم اتفاق على هذه النقاط، لكن لنسلم بها كواقع فعلي، غير ان هذا لايبرر بأي حال من الاحوال انتهاك حقوق المعتقلين، أو السماح بتشكيل اجهزة قمعية تنتزع الاعترافات من المتهمين بالاكراه، واعتمادها قضائياً في اجراء الاحكام.
نتمنى من السيد الوزير ان يقوم بزيارات للثكنات العسكرية والمعتقلات غير القانونية والسجون عموماً للتعرف على واقع حقوق الانسان عن قرب، حتى يفعّل دور وزارته في مجال الحقوق وليس في مجال آخر.
مقالات اخرى للكاتب