لم تكن علاقتنا مع الأمريكان ودية تماما وشعرت أنهم كانوا مجبرين على قبول عمل اللجنة لخلو الساحة من أي جهة آخرى يعتمدون عليها أو من قادة المعارضة لأنهم متواجدين خارج العراق، وكذلك من أي نشاط حزبي قادر على مد الجسور معهم وشغل الساحة، ماعدا نشاط التيار الصدري الذي كانت علاقته متوترة معهم منذ اليوم الاول، لقد رفض الامريكان فكرة توزيع المتطوعين على الوزارات والبنوك لحمايتها من الحواسم، وعندما قلنا أعملوا لهم ( باجات ) هويات، أجابوا : أذا شاهدنا أي عسكري يرتدي الملابس الخضراء ( الزيتوني ) وبيده سلاح سوف نطلق النار عليه، لان هذا زي اتباع صدام، ولهذا السبب طلبنا من الذين أنخرطوا في سلك الشرطة تجنب هذا الزي وأبلغنا اللواء زهير بذلك. غيرنا تواجدنا من غرفة المدير المدير المفوض في الفندق الى غرفة في طابق أعلى لصغر الاولى، ولا تستوعب عدد مقبول من المواطنين، أو رؤساء اللجان الفرعية، الذين بدأنا بتدقيق اسمائهم من أجل أختيار الافضل، أو من الصحفين الذين كانوا يزدحمون علينا، لقد أشعرنا الجميع أن الساحة العراقية لم تعد خالية من اهلها وأن باستطاعة العراقيين النهوض بمسؤولياتهم، أخذت الوفود والشخصيات تتقاطر علينا ويطرحون علينا رغبتهم الملحة للتعاون مع اللجنة، كمن يعطي بيعته للحكومة، بل كانوا يطرحون أفكارهم ومقترحاتهم والتنبيه الى مكامن الخطر، وكانوا من كل الطوائف والاقليات والكل يشكر الله على تحقيق نصره على الفئة الظالمة، طلبنا من الجميع أن يعلنوا من خلال الساجد والحسينيات والكنائس حرمة المال العراقي، بأستخدام مكبرات الصوت فيها، لأنه مال كل ابناء الوطن وتذكيرهم بتقوى الله ومخافته . جائنا بعض المتطوعين من منسوبي تلفزيون الشباب سابقا ( تلفزيون عدي )، وأخبرونا أن في الطابق السابع عشر توجد محطة تلفزيون كان عدي يبث منها بعض الأغاني والأخبار التي تتطابق ومزاجه، ونستطيع تشغيلها والبث منها، فقلنا لهم توكلوا على الله وسنحاول مع الأمريكان كي يعطونا الموافقة، أتصلنا بالسيد مدير الفندق ( الشيراتون ) وأخبرناه بأهمية تشغيل هذه الأذاعة المحلية ( تبث ضمن نطاق بغداد ) وتأملنا منه التعاون مع الشباب في تشغيلها وحصل ذلك مشكورا، وأصبحت جاهزة للتشغيل يوم 16/4 ولكن الجانب الامريكي لم يعطي الموافقة الا بعد هذا التأريخ بحجة اختيار ذبذبة لاتتقاطع وذبذباتهم، وفي الأخير أعطونا ذبذبة 100( ميكا هيرس أف أم ) وقمت بكتابة البيانات التي أذيعت منها وكان المذيع ( ريناس علي ) يقوم بتلاوتها وهو يعمل حاليا مع قناة السومرية، وقد كلف الجانب الامريكي الميجر( ابلبي ) من فرقة المارينز الأولى للتفاوض معنا حول موضوع الاذاعة، والذي كان يعتذر عن الاسراع في تشغيلها بحجة الحصول على موافقة شخص ذو رتبة عسكرية وسياسية عالية . التي ما أن تم تشغيلها وأذاعة البيانات منها وتحريم المرجعية الرشيدة لعمليات النهب والسلب حتى أخذ الكثير من المواطنين يقوم باعادة كميات كبيرة من المسروقات العائدة لدوائر الدولة، فامتلأت المساجد والحسينيات بها وكذلك أخبرنا أن بعضها سلم الى كلية الشرطة، ولتأخر عمل الوزارات لتعرضها للحرق تبخرت هذه الموجودات من جديد . أستمرت لجنتا في العمل المتواصل ليل نهار وبروحية وطنية مخلصة فريدة، وأستمر تدفق أشراف ووجهاء وشيوخ بغداد ورجال الدين والكل يضع أمكانياته تحت تصرف اللجنة . شهدت ساحة الفردوس أول تظاهرة حرة منذ أربع عقود وأكثر ورفعوا لافتات منها ( لا نريد النفط نريد آثارنا ومتاحفنا ......) و ( نريد الامن وسلامة المواطن ) كما كانوا يهتفون بضرورة الأسراع بتشكيل الحكومة، وبذلك يكون المواطن قد سبق الأحداث ودخل في صميم وجوهر العملية السياسية السليمة ألا وهي ضرورة وجود سلطة تمثل الشعب . كما جائنا هذا اليوم عدد كبير من شيوخ العشائر من خارج بغداد منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ المرحوم (شهيد الأرهاب ) ضاري دليمي شيخ الغرير في المحمودية ومعه توقيع عشرات الشيوخ ويعلنون أستعدادهم لخدمة العراق الجديد ومنهم : 1- الشيخ تركي طلال / شيخ عشيرة الكرطان 2- كاظم الشبلي /شيخ آل بو عامر 3- الشيخ محمد الفوار /المعين 4- الشيخ عبد المحسن سلمان / الشوافع 5- الشيخ حامد أحمد / آلبو حمير 6- الشيخ عبد الأمير خضير / الأنباريين .... وغيرهم بالعشرات، وألتحق في هذا اليوم المرحوم (شهيد الأرهاب ) سيد أياد شبر الموسوي ومعه مجموعة من اهالي الكاظمية وكذلك الدكتور أدهام ضاري الفياض (وزارة الصحة ) والأستاذ ثامر الغضبان ( وزارة النفط ) والأستاذ ممتاز أيوب ( وزارة الكهرباء ) وعدد كبير من الموظفين المعروفين في وزاراتهم والرأي العام، وكذلك عدد من شيوخ منطقة الدورة الذين قاموا بحماية البنوك والمستشفى والمكتبة وقدموا الأسناد والحماية للعاملين في محطة الدورة الكهربائية، بعد حضور عدد لابأس به من المهندسين والأطباء والقضاة والمختصين، شرعنا بتشكيل كل لجنة فرعية تكتمل مستلزمات تشكيلها، لقد رحب أكثر من دعوناهم للعمل في اللجان الفرعية وأعتذر بعضهم، من بين الذين اعتذروا القاضي دارا توفيق الذي رشحناه رئيسا للجنة العدل ( أصبح عضو مجلس حكم لاحقا ) ورجل الدين أحمد الكبيسي الذي جاء من الأمارات العربية، وكنا رشحناه للجنة الشؤون الدينية ( الحقيقة لم ألتقي الرجلين مع ان عندي معرفة سابقة بالقاضي وهو أنسان محترم ) بل هذا ما أخبرني به الزبيدي وأعتقد أنه لم يلتقيهم مباشرة لأن حصول ذلك سيتم بحضوري ولكن على الأرجح انه تم عن طريق وسطاء . وسأتحث في المقال القادم عن لجنة العدل وأسباب الاهتمام بها .
مقالات اخرى للكاتب