أمس احترقت بغداد للمرة الألف بنيران إرهابيين خرجوا منذ زمن بعيد عن حدود الإنسانية وتسافلوا إلى درك لم يسمّ بعدُ، إلى حدود من الوحشية لم يطأها قدم انسان ولا ظلف حيوان، وضعوا خارطة بغداد أمامهم مرة أخرى، واختاروا ما يشتهون من المناطق ليصنعوا فيها قتلى، أرامل وأيتامأً وأمهات ثكالى.
نحن لا نعرفهم لنلقي القبض عليهم أو لنخبر من بيده الأمر ليلاحقهم أو على الأقل لنشتمهم بأسمائهم وننشر عرضهم طولا وعرضا، فأقسى من الظلم عدم معرفة ظالمك، وأشد من الجرح مجهولية الجارح. ولو سألتَ أما فقدت ابنها أو ابنا فارق أباه، أو زوجة رمّلتها حيوانية الحيوان المجهول، عما يشفي غليل هؤلاء لقالوا لك معرفة الفاعل قبل معرفة أسباب فعلته.
يريد القاتل أن يظل مجهولا، فذلك أنفع له، يبدو كمن يقتل عن بعد، ومن يقتل من مسافة بعيدة يقتل بدم بارد، ليس الذابح بسكين كمن يسحب حبل المدفع، كلاهما قاتل لكن الأول قد تسائله ضحيته، بلسانها، فإن لم تستطع فبعينيها، عن سبب ذبحه، أما صاحب المدفع فمجهوليته عين براءته، ولن يصادف من يسأله يوما: لماذا؟
لا أحد يعرف هؤلاء، لكن رئيس الوزراء قال أول أمس ان بيده خيوطا تدل عليهم، قال انه يعرف المسؤولين الذين يزودون الإرهابيين بهويات وسيارات وأموال وأسلحة، ومع ذلك لن يكشف عن أسمائهم لأنه سيصبر كما صبر الإمام علي "ع" عن حقه 25 سنة!
هل يعرفهم رئيس الوزراء حقا، أم أنه يناكف خصومه عشية الانتخابات؟ وهل هو يجرب فضيلة الصبر تشبها بالإمام واقتداء به، أم بسبب عجزه عن أن يفعل شيئا تجاه الإرهابيين الحقيقيين؟ وهل يخاف الفوضى حقا، أم أن ركائز حكمه ستهتز إذا ما كشف سرا كهذا؟ وهل من حق المالكي الصبر عما أسماه "حقه" جزافا وسوء لياقة منه، إذ الحق حق أهل الضحايا الذين وقعوا بأيدي أهل الإرهاب والمتسترين عليهم الذين دخل في ملاكهم رئيس الوزراء بتصريحه أول أمس، بل هو حق الشعب العراقي بأكمله، ولا أظن ان أحدا خوّل المالكي دستوريا بالتستر على القتلة.
حتى الآن شخص عراقي واحد ادعى أنه يعرف القتلة هو السيد المالكي، ولا أحد من محبيه وأنصاره يطالبه بالكشف عنهم. يا أخوان بدل أن تقضوا وقتكم الثمين في اتهام شريحة مجتمعية بأكملها، أو إلقاء اللوم على مجهولين، أو شتم ملثمين، أو شتم دول مجاورة ترعى الإرهاب حقا، بدل هذه الأفعال غير المجدية اسألوا صاحب الأمر والنهي الذي يعرف القتلة ومن يغذيهم.
اترك صبرك يا رئيس الوزراء، واكشفهم، لا تطمح أن تتشبه بعليّ فدونك السماوات السبع، وأين كومة الأخطاء من لباب العدل؟ ما الذي تفعله بملفاتك التي تدخرها لتشهرها كلما اهتز سلطانك؟ كن صادقا لمرة مع نفسك، ولا تستخدم الحق الذي تملكه لتحصيل باطل تطمح إليه. ولا تغتر بكثرة أتباعك من الطائفيين، وتذكر أنك بسكوتك عن القتلة تجعل من ضحابا الإرهاب ضحاياك أنت شخصيا.
مقالات اخرى للكاتب