بدأ العبادي عهده "الاصلاحي" باعلان التقشف بحجة إنخفاض اسعار النفط، و توفير موارد لخزينة الدولة الخاوية. لكن السؤال الحقيقي – والذي يتهرب الجميع من الاجابة عليه- هو هل خزينة الدولة خاوية فعلاً؟ و إن كانت كذلك، فعلى ماذا صُرفت؟ العبادي الذي ينادي ليل نهار بالحرب على الفساد، لم يقدم لحد هذه اللحظة التقرير السنوي لصرف الميزانية للبرلمان! فالعبادي ملزم بتقديم تقرير سنوي – ختامي- يوضح كيف صرفت ميزانية عام 2015 البالغة 105 مليار دولار! لكن العبادي الاصلاحي لم يقدم شيئاً! و طبعاً البرلمان لم يكلف نفسه عناء السؤال و المطالبة أو محاسبة الحكومة، كما تقتضي الديمقراطية التي نضحي بدمائنا كل يوم في سبيلها. إن ميزانية قوامها 105 مليار تكفي لدفع رواتب العراقيين و تقاعدهم و تزيد. إن تقسيم الميزانية على عدد نفوس العراق يوفر لكل عراقي خمسة وثلاثين الف دولار على اساس إن نفوس العراق هم ثلاثون مليون. فأين ذهبت ميزانية العراق؟ لا أحد يجيب على هذه السؤال! ولكن الكل يصيح و يشتكي و يتباكى على شاشات التلفزيون، إن العراق ثاني دولة نفطية في العالم، ليس لديه موارد لدفع رواتب موظفيه أو تقاعد مواطنين! حسناً افغانستان قادرة على دفع الرواتب ، سوريا، لبنان، الأردن، بل و حتى زامبيا و جنوب افريقيا! كل هذه الدول تقدم حكوماتها تقارير مالية سنوية توضح كيف ُصرفت مواردها ،دون أن يطالعنا مسؤوليها باكين شاكين على شاشات الاعلام! بالتاكيد سيتناولني مسؤول من قميصي و يشدني قائلا: " يا ابله! الم تسمع بانخفاض اسعار النفط؟ و العراق يعتمد على تصدير النفط لتوفير موارد للدولة!" نعم بالتاكيد سمعت! و لكن اسعار النفط انخفضت في كل انحاء العالم، أولها دول الخليج التي تعتمد على النفط بشكل اساسي لتوفير موارد للدولة، لكن كل هذه الدول لم تخفض رواتب الموظفين ،و لم تطردهم، و لم تستولي على تقاعدهم! بل استمرت في اعمالها بكل ثقة، فهذه هي الامارات تؤسس وزارة للسعادة تدفع راتب وزيرها و موظيفها، فلم يتسبب راتب وزير السعادة في افلاس دولة الامارات! السعودية تنشأ وزارة للبيئة، و تعيين موظفين دون خوف من فقدان الميزانية، بسبب انشاء وزارة البيئة. ورغم إن العبادي علل الغاء وزرارات البيئة و العلوم و غيرها، بقصد توفير الرواتب، إلا أن الازمة العراقية الغامضة، لم تنحل لحد هذه اللحظة، بل أن العبادي طرد 123 ضابط من الداخلية، لأن عجلاتهم على حد تعبيره، تكلف الدولة مبلغا و قدره! أيّ دولة هذه التي تطرد موظيفها، لانها لا تستطيع دفع ثمن البانزين، أو الوقود الخاص بسياراتهم الامنية؟ آه نعم هي دولة نفطية، منتجة للنفط و الوقود و البانزين. ورغم ذلك فالحل الاصلاحي الامثل -الذي طبلت له وسائل الاعلام ووافق عليه البرلمان أو ضمير الشعب- هو طرد ابناء الشعب لتوفير مبلغ البانزين!و لكن، ما هو المبلغ الذي تم توفيره و على ماذا صُرف؟ لا أحد يجيب!
ما المبلغ الذي تم توفيره عندما ألغيت وزارة البيئة و العلوم و غيرها؟ لماذا لا يطلعنا مسؤول واحد ليجيب على هذا السؤال؟
في الحقيقة، نحن لا نريد تصريح سخيف و عقيم، يقوم باخراجه مخرج متخصص في الدراما، تصريح من قبيل " مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لاصلاحاتي" فالرجل يعيش في الحصن الحصين الأخضر، يركض امامه جيش، و يركضه خلفه جيش، يحميه حتى من البعوضة و الذبابة – طبعا هذا الجيش لا يثقل ميزانية الدولة فهي تكفي و تزيد- ما نريده هو حساب ختامي يوضح كم وفر اجراء الغاء الوزارات، الذي تحملنا نتائجه نحن الموظفين البسطاء وأين ذهبت الاموال التي تم توفيرها؟
إن رئيس الوزراء يتصرف و كأن العراق دولة مفلسة، كلما كان الموضوع يتعلق برواتب العراقيين و مصروفاتهم، و لكنه يتصرف و كأنه يمتلك أموال قارون، عندما يتعلق الأمر بالصرف على حزب الدعوة! حزب الدعوة أغنى بمئات المرات من الدولة العراقية المسكنية الفقيرة.
حزب الدعوة يمتلك أكثر من ثلاثين مقراً في بغداد وحدها، و عشر مقرات في المحافظات يديرها " موظفون" يستلمون رواتب مجزية، لم تنقطع ولن تنقطع، بل لم يتم تخفيضها فلسا واحد! طبعاً رئيس الوزراء لا يمكن أن يدمج مقراً مع أخر لأن ذلك خيانة عظمى، و مساس بهيبة الحزب، مما يعني المساس بهبية رئيس الوزراء! المقرات مُجهزة باحدث اجهزة الحاسوب، و كاميرات المراقبة، البوابات الكهربائية، المولدات الكهربائية و البانزين الخاص بها—طبعا لا يمكن الاستغناء عن المولدة، لانها تكلف بانزين، لكن الافضل أن نطرد ضباط الداخلية، لان عجلاتهم تكلف ميزانية الدولة بانزين- المقرات تحتاج الى حرس، و الحرس يحتاجون سيارات سحرية، لا تكلف ميزانية الدولة بانزين، بل هي تعمل لوحدها. أما قنوات حزب الدعوة الفضائية - بلادي و آفاق و غيرها- فهي لا تثقل على ميزانية الدولة اطلاقا، فكلفة ادارتها الشهرية تترواح بين عشرة ملايين دولار إلى عشرين ميلون دولار،حوالي ميزانية أربع وزارات عراقية، بما في ذلك رواتب الموظفين! طبعا قنوات حزب الدعوة الفضائية، لا يمكن دمجها و الغاءها. علما ان لا احد يشاهدها لانها تبث لصالح حزب الدعوة ! يبدو أن التاريخ يعيد نفسه! ففي فترة الحصار الاقتصادي -التي لم يشهدها حزب الدعوة لانه كان معززا مرفها في المنفى- كانت مقرات حزب البعث تتمتع بالانارة و التكييف، في حين ان بيوت العراقيين مظلمة و تعاني من الحر اللاهب! كان رجال حزب البعث يزدادون سمنة، و العراقيون يموت جوعاً. و الآن مقرات حزب الدعوة المحصنة و المجهزة و المضاءة، و بيوت العراقيين خربة و مظلمة. رجال حزب الدعوة بكامل الاناقة و القيافة و العز و الغذاء الصحي، و العراقيون يبحثون عن لقمة العيش في المزابل و القمامة! الوزارات العراقية تُلغى لتوفير الاموال لمقرات حزب الدعوة! رواتب العراقيين و تقاعدهم تُقطع لتوفير رواتب حرس حزب الدعوة ! أتحدى العبادي أن يقدم التقرير السنوي لمصروفات الحكومة، لانه سيوضح حجم الاموال التي يتم الاستيلاء عليها من خزينة الدولة لتمويل حزب الدعوة! أتحدى العبادي أن يدمج أو يلغي مقر واحد من مقرات حزب الدعوة، ليوفر مبلغا لصالح خزينة الدولة! أتحدى العبادي أن يطرد حارس واحد من حراس حزب الدعوة لتوفير راتبه ! أتحدى العبادي أن يخفض راتب موظف واحد في حزب الدعوة! أتحدى العبادي أن يدمج قناة بلادي مع قناة آفاق، أو يوقف البث يوما واحد ليوفر المبلغ لخزينة الدولة! أتحدى البرلمان - الذي مللنا من صياحه و عياطه الاجوف- أن يحاسب العبادي على كل هذه الاسئلة، أو أن يسأل العبادي كم وفرت "اصلاحاته" البائسة ! و كم مشكلة بيئية يتحمل العراقيون وزرها، لأن رئيس الوزراء يعتقد- في القرن الواحد والعشرين- أن العراق وبعد ثلاثة حروب كبرى لا يحتاج لوزارة بيئة، بديل ان الكوليرا اجتاحت البلاد! أتحدى البرلمان أن يطالب بالتقرير السنوي لمصروفات حكومة " الاصلاح" و يحصل عليه و يناقشه علنا، لنعرف اين ذهبت ميزاينتنا الانفجارية! و لكن كأي جبان لن يقبل أحد التحدي!
مقالات اخرى للكاتب