هذه الكلمات نطق بها تشرشل خلال الظلمات التي هددت مستقبل بلاده ومصيرها في أوائل الحرب العالمية الثانية. تذكرتها وأنا أتابع أخبار الإجراءات التي اتخذها حيدر العبادي لإنقاذ العراق من الجحيم الذي أوقعه فيه الساسة الفاسدون. فمنذ أن تولى هؤلاء الفاسدون والعاجزون عن كل شيء، باستثناء النهب والاستغلال، فقدنا الأمل كليًا في مستقبل البلاد. طفقنا نقول العراق يحتاج لمائة سنة أو مائتي سنة من الوصاية ليستعيد عافيته. ولكن قفوا يا متشائمون واسمعوا هذه الأخبار من بغداد.
برز منها واحد من أبنائها، ابن بغداد، وابن أسرة معروفة في حرصها على المستضعفين من أهلها، وابن ثقافة غربية علمية معاصرة، وابن شهادات عليا غير مزورة، وابن صحيفة بيضاء لم يلوثها فساد ونهب وانتهازية، وابن خبرة عملية في الحكم والإدارة والأعمال، وليس في التسكع والترزق والتسول والتحايل كمعظم من تشربكوا بعربة الاحتلال، ومسكوا بمخانق العراق. تسلّم الحكم باتفاق وإجماع وآمال. آمال في أن يكون على يديه خلاص العراق.
وفيما تأرجحت هذه الآمال بيديه وبدا وكأنه سيارة لعبة زمبركها مكسور، راح يزأر فجأة بماكينة عارمة بسلسلة من الإجراءات الجراحية الشجاعة لإعادة الحياة في هذه الجثة التي تسلمها، وتطهيرها مما علق بها من ديدان وجرذان.
قالوا عنه إنه رجل شريف ومخلص ولكنه عاجز. وقالوا إنه عاجز لأنه يفتقر لمن يؤيده. بقليل من الصبر، حصل العبادي أخيرًا على ما احتاج إليه من تأييد. وهل من تأييد أقوى من الشعب ذاته؟ فكما ركب السيسي في مصر مركبة الزخم الشعبي المليوني، ركب العبادي مركبة الشعب العراقي الهائج في حر شهر «آب اللي يحرق المسمار في الباب»، والكهرباء مقطوع الجناب.
ويا لمركبة الشعب عندما تزأر وتسير. كذا جرت انتفاضة الشعب التونسي بكلمات.. إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر. وفي العراق استجاب القدر والمجلس وإيران والمرجعيات لجلجلة مركبة الشعب. هناك خوف لديهم من أن تفلت الأمور ويتحول العراق إلى سوريا ثانية، ويفتح جبهة جديدة لإيران، وتنقطع الرواتب عن نواب المجلس وينتقم الجمهور من كل من كانوا السبب.
العبادي حيدر واسمه عليه، فقد خطا خطوات جريئة ومخيفة. فلن يتردد الفاسدون في تصفية كل من يهدد مصالحهم، ولا سيما عندما ينطلق من بين صفوفهم الحزبية. أتوجس رائحة هذه المخاوف في خطبته على التلفزيون. يحذر الميليشيات الشيعية من التدخل بإيعازات الفاسدين. وهو بذلك يلقي بمسؤولية تاريخية خطيرة على كوادرها وقادتها. فمبادرة العبادي هي الأمل الوحيد الآن لإنقاذ العراق وشعب العراق من الهوة التي يجد نفسه فيها. هذا ما على قادة الميليشيات ونواب المجلس وكل المرجعيات الدينية أن تدركه. سقوط هذه المحاولة النبيلة أو عرقلتها سيؤديان فعلاً إلى سقوط العراق دولة وشعبًا وكيانًا، سقوطًا لا قيام منه، ربما إلى أبد الآبدين. وتحدي المعارضين وميليشياتهم سيوقع البلاد في بحر من الدم والفلتان العارم. اللهم فاشهد.
مقالات اخرى للكاتب