التهديد هنا يمكن تضمينه في كلمة واحدة هي «المناخ» وأحوال الطقس العالمية المتردية... ما الداعي لهذا الحديث؟ قطعًا تبقى موجة الحرارة المتطرفة التي تضرب الشرق الأوسط بشكل خاص، وبقية أرجاء العالم هي السبب الرئيسي في فتح هذا الملف.
«حرارة متطرفة»، وكأن التطرف لم يعد قصرًا على أفكار الإنسان، وتوجهاته، وها هو التطرف عينه يمسك بتلابيب الطبيعة، واحتمالات أن يسجل صيف عام 2015 أعلى درجات حرارة في التاريخ أمر وارد وبقوة، والسؤال هو: من هو المتسبب الرئيسي في هذه الطاقة الكبرى التي قد لا تبقي زرعًا أو ضرعًا؟
يذهب بعض العلماء إلى أن الأمر مرجعه ظاهرة الاحتباس الحراري، وأن مناخ الأرض يشهد فترة جليدية باردة ثم فترة ساخنة، غير أن الغالبية العظمى من علماء المناخ يشيرون بأصابع الاتهام إلى الأنشطة البشرية مثل تكرير النفط ومحطات الطاقة وعوادم السيارات، وإحراق الفحم والخشب والقش ومخلفات المحاصيل، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى ظاهرة الانحباس الحراري.
وتبعات ذلك ازدياد معدل الوفيات بشكل عام بين أولئك الذين يعانون من اضطرابات قلبية بصفة خاصة، ناهيك عن تأثير ضربات الشمس وزيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.
أما عن البيئة، فالأمر في حاجة إلى أبحاث قائمة بذاتها، فالبداية مع التصحر، حيث الجفاف يضرب الأرض، والسخونة تبخر المياه، والحر الشديد يهلك محاصيل الحبوب الرئيسية، والهجرات بالملايين ستؤدي إلى الحروب بين الدول بحثًا عن لقمة عيش أو قطرة ماء، ما يعني تهديد السلم العالمي، أما الكارثة الأشد هولاً فقد كشفت عنها البعثة العلمية الدولية التي تعمل في المنطقة القطبية الشمالية أخيرًا، حين أشارت إلى أن سرعة ذوبان الثلوج هناك ازدادت بنسبة 25 في المائة، وإذا استمرت الحال هكذا، فإنه بحلول عام 2045 لن يبقى الجليد. ماذا يعني ذلك؟
الجواب عند معهد مراقبة العالم، المنظمة الأميركية المعنية بالتغيرات المناخية، وفيه أن 21 مدينة كبيرة حول العالم مهددة بالغرق... هل ستقف الرأسمالية والرأسماليون سدًا واحدًا في إطار الجهود المبذولة لتلافي الشرور المتطايرة المقبلة؟
يبدو أن أصحاب شركات الطاقة الخاصة، لا سيما الفحم، قد أضحوا حجر عثرة، ونظراؤهم كثر من أصحاب النظرة الاقتصادية الضيقة، ففي الأيام القليلة الماضية وقف هؤلاء في الولايات المتحدة في وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما وخطته الجديدة «من أجل طاقة نظيفة» التي تتألف من سلسلة قواعد وتوجيهات ستفرض للمرة الأولى على محطات توليد الكهرباء، من أجل تخفيض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 32 في المائة في العقد المقبل.
المعترضون على مشروع أوباما يعللون اعتراضاتهم بالخسائر الاقتصادية التي ستصيب البلاد، حال الاستغناء التدريجي عن الفحم بنوع خاص كمصدر للطاقة، حيث ما زالت محطات أميركية كثيرة تعمل على إنتاج الكهرباء بالفحم وتصل نسبتها إلى 37 في المائة من احتياجات البلاد.
غير أن هؤلاء يتناسون ما يعرف في علم الاقتصاد بتكلفة الفرصة البديلة أو الضائعة، ذلك أن بديل بقاء الفحم واستمرار الأنشطة التي تصدر «الغازات الدفيئة»، هو ارتفاع سخونة الأرض بدرجة تعادل وقد تفوق عواقب استخدام القنبلة النووية، والعهدة هنا على الراوي اللورد ماي رئيس الأكاديمية البريطانية للعلوم الذي يشير إلى التبعات الكارثية التي تهدد العالم، وأميركا بنوع خاص، ذلك أن ذوبان الأقطاب الجليدية سيرفع من مستوى مياه المحيطات والبحار، وبالتالي غرق المناطق الساحلية الغربية للولايات المتحدة وأستراليا وبعض المدن الأوروبية والأفريقية.
لم تعد قضية المناخ تشغل بال السياسيين والاقتصاديين فحسب، بل رجال الدين، والمؤسسات الدينية الكبرى، ففي شهر يونيو (حزيران) الماضي أصدر البابا فرانسيس الأول رسالته العامة تحت عنوان «كن مسبحًا» تتناول بيئة كوكب الأرض، البيت المشترك الذي يحتضننا كما تحتضن الأم أولادها، وجسدنا مكون من مادته، وغاية الرسالة أن هذه الأرض المخلوقة للإنسان تدعونا إلى نوع من «توبة بيئية» وإلى ابتكار أفكار بيئية خلاقة لإنقاذ الكوكب.
هل تنتصر الإنسانية في مواجهة دعوات الانعزاليين الرأسماليين حول العالم أم تبقى القارعة خلف الأبواب؟
مقالات اخرى للكاتب