قبل أيام ودع أحد الأصدقاء نجله الى بلاد بعيدة ، ونشر صورة مؤثرة للغاية ألتقطت في صالة المطار كتب عليها إقتباسا لعبارة الروائي العالمي، نيكوس كازانتزاكيس الأشهر ” وداعا زوربا انا حر ..
كلا لست حراً ..كل ما في الأمر أن الحبل المربوط في عنقك أطول قليلاً من حبال الآخرين!”.
ومن استجداء الشرفاء وإستخذائهم ما ينسب الى الأديب والفيلسوف ، جان جاك روسو، الذي ألهمت وألهبت طروحاته حماس الثورة الفرنسية ، ” أعطني قليلا من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشا من اللصوص والمفسدين والعملاء ” حلووووو كلش وجدا و( منتاز) على قول البغادة ولكن يبقى السؤال الموجه الى روسو ، ترى من هو المخاطب الذي تستجدي منه سرية الشرفاء اللامنظورة تلك لمحاربة الخبثاء ؟ ومن قال انك ستقاتل بالشرفاء شرار الخلق لو أعطيت سؤلك وليس العكس ؟ هذا على افتراض انك تحمل من الصفات ما يؤهلك لأداء المهمة الصعبة التي أرقت الخير ورجالاته عبر التأريخ ، ألست أنت من أرسل أولاده تباعا الى دار الأيتام بعد تأليفك رواية عن الطفولة ووجوب رعايتها بعنوان “إميل” (1762م)؟ .
وهاهم ساسة العراق اليوم بقضهم وقضيضهم يطالبون بسرايا الشرفاء لمحاربة فيالق الأشقياء ، فلا الشرفاء ظهروا ولا الأشقياء تواروا عن الأنظار ،وضعف الطالب والمطلوب فلا يغرنك قولهم المشوش المغشوش اذ ان تصريحات نصفهم بهذا الشأن إن لم يكن أكثر .. فاااااشوش !!
هنا وبعد الإتفاق المبدئي على ان الكل مكبل من رقبته إقليميا ودوليا فيما الفارق الوحيد هو في طول الحبل أو في قصره ، تبرز اشكالية معقدة مفادها أيهما الأخف والأقسى على المواطنين ، هل الأخف ان يحكمك ديكتاتور واحد يسرق مالك ، يجلد ظهرك ، يسلبك حريتك ، يقيد حركتك ، يخطف أحلامك ، يشوش أفكارك ، يغتال ابتسامتك ، يدمر طموحاتك ، يهين كرامتك ، يبدد ثرواتك ، بينما الأقسى أن تلد لك الديمقراطية 1000 ديكتاتور مهمته تتلخص بإعدامك وإعتقالك وتهميشك وتهجيرك وإزاحتك وسرقة ما تبقى من ثرواتك لأنك رضيت بأن تكون عبدا للأول…أم العكس هو الصحيح ؟! .
لعبة الفعل ورد الفعل هذه الذي يساويه بالقوة ويعاكسه في الاتجاه قديمة جدا قدم التأريخ وما يجري اليوم من تظاهرات يقودها الصدريون بعد سحبهم البساط من تحت أقدام اليساريين والتي إختلفت بشأنها الآراء وتباينت حيالها الرؤى بحسب زاوية النظر وتقاطع المصالح قد أثارت أكثر من علامة استفهام على خلفية تناقضاتها الصارخة ، فبينما أطلق معارضو الصدر هاشتاج # الصدر لا يمثلني ، وشنوا عليه اشرس هجمة عرفتها مواقع التواصل الإلكتروني منذ 2003 حتى الان ، معلومة هي الجهات التي تقف خلفها ، بالتزامن مع هجومين شرسين لعضوين بارزين في التيارالصدري أحدهما الشيخ غيث التميمي ، اضافة الى اطلاق صفة ” الزامبي ” على جموع المتظاهرين من قبل النائبة ، حنان الفتلاوي ، يرى بعضهم انها تظاهرات مرتبكة عقدت المشهد العراقي تماما وحمت الفاسدين بالمطلق وقلبت الأمور لصالحهم كلية ، وصرفت الأنظار عن ملفاتهم نهائيا واجهضت التظاهرات الأولى ذات المطالب المشروعة الواضحة التي كفلها الدستور ” تقليص رواتب الرئاسات الثلاث وحماياتهم ، تحسين الخدمات ، توفير فرص عمل للعاطلين ، اصلاح القضاء ، ايقاف عجلة الفساد ، اصلاح المنظومة الكهربائية ، الأرتقاء بالواقع الصحي .. ” ليتحول الحديث اليوم ويدور في فلك قضايا اخطر بكثير نحو تقسيم العراق ، انتشار الميليشيات المسلحة، رفع الأعلام والرايات الدخيلة ،انفصال الكرد ، انقسام البرلمان ، تعطيل القوانين ، شل عمل الوزارات بالكامل ، التشكيك بقدرة الجيش والشرطة في حماية المواطنين وممتلكاتهم ولابد من وجود مسلحين لأداء المهمة بدلا منهما او حماية المواطنين انفسهم بأنفسهم ، صولة فرسان جديدة …ونحو ذلك.الغريب ان الصدريين مصممون على توسيع دائرة التظاهرات ما حدا بالمراقبين الى النظر اليهم على أنهم جزء من اللعبة وليسوا خارجها بهدف الحصول على مزيد من ردود الأفعال التي تصب في الصالح الإقليمي تحديدا على حد وصفهم ، مستدلين بما جاء على لسان عضو اللجنة التنسيقية لتظاهرات التيار الصدري ، حسن الكعبي، حين اكد ،إن “تظاهرات التيار مستمرة وهي بتوسع وسنتخذ عدة وسائل للضغط على البرلمان من أجل التصويت على الكابينة الوزارية الجديدة المكونة من شخصيات تكنوقراط” وكأن التكنوقراط هم أحباء الله وخاصته وأنهم الخلاص المنتظر لمأساة العراقيين الأبدية
واضاف الكعبي ” سنعود أمام المنطقة الخضراء ما أن يعقد مجلس النواب جلساته التي من المقرر أن تبدأ يوم الثلاثاء المقبل” ، متابعا ، أن “العقل الجمعي للمتظاهرين بدأ يفكر بتوسيع نطاق احتجاجه على اعلى مستوى وفي عدة طرق”، من دون الإفصاح عن طبيعة تلكم التوسعة وفيما اذا كانت ستتضمن مفاجآت كبرى تزيد المشهد قتامة وارتباكا على مستوى اقتحام الخضراء ثانية أم لا .
وما رفع من سقف الشكوك بعلاقة التظاهرات بالأجندة الإقليمية على حساب الأميركية هو ذلك التخبط الهائل في المواقف حيث الهتاف ضد إيران صراحة ” ايران بره بره ” ومن ثم التنصل من ذلك الفعل بذريعة الدسيسة والاندساس ووصف الهاتفين بأنهم ” ثيران “وقبلها الاعتصام امام الخضراء ومن ثم الانسحاب المفاجئ قبل تحقيق المطالب .
السفر الى لبنان في أوج الأزمة بطائرة خاصة من دون سابق إنذار ومن ثم التقليل من شأن السفرة لعدم حضور المالكي وانما من ينوب عنه كما أشيع ، الاعتكاف في ايران وزيارة المرجع الديني كاظم الحائري، إضافة إل? نائب رئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية محمود هاشمي شاهرودي، والأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني ومن ثم تكذيب تلكم الأخبار او تسويفها او تسويقها او التقليل من شأنها ، قيادة الاعتصام داخل البرلمان ومن ثم الانسحاب منه والتبرؤ من شخوصه والتشكيك في نزاهة ووطنية بعض عناصره ، قيادة عملية اقتحام البرلمان بعد يومين من ذكرى ميلاد ” صدام حسين ” في 28 نيسان بعد التجمع امام الخضراء بيومين قبلها كما اظهرت الصور بعد ساعات من التفاوض والتقاط السيلفيات مع بعض ابرز المعتصمين داخله ممن هتفوا لأبن السيد كما ظهر في فيديو مسرب !!، الاعتداء على بعض النواب ومن ثم التنصل من هذا الفعل واستنكاره وانكاره وتقديم الاعتذار لهم !! ، كل ذلك بات بنظر بعض المراقبين بمثابة سيناريو معد سلفا وطبخة سياسية على اعلى المستويات وليس كما يبدو في ظاهره بأنه تخبط ، بضمنها تصريح بأنه ” وفي حال لم يتوقف الضغط عليه لتغيير قناعاته التي يعدها من الثوابت الوطنية فأنه سيكون مضطراً لمغادرة إيران والإقامة في تركيا أو السعودية!!.
السيناريو وفي حال استمر على هذا المنوال المخيب للطموحات والآمال الشعبية فأنه سينتهي لامحالة بقوات الحرس الثوري داخل المنطقة الخضراء بذريعة الدفاع عن المصالح القومية وحماية الموالين لها ورفع اعلامها وصور زعمائها ليس فوق مباني الوزارات والدوائر والمدارس والجامعات الحكومية فحسب وانما فوق مجلس الوزراء والبرلمان ..ايضا !! والمطلوب حاليا هو اما الكف عن قيادة التظاهرات وإعادتها الى تنسيقياتها السابقة وبشكلها المدني السلمي الأول واما توضيح الغاية الحقيقية من الأصرار على قيادتها فضلا عن بيان أسباب عدم الثبات على ما يتم الإعلان عنه والأتفاق عليه والتنصل منها بين غفلة عين وانتباهتها لأن التدهور القادم ان وقع لاقدر الله فانه سيحرق الأخضر واليابس وسيقود البلاد الى الهاوية بكل ماتعني الكلمة من معنى ، فهل هذا هو المطلوب من التظاهرات بشكلها الحالي أم حكومة .. التنك قراط والإصلاح ؟ .اودعناكم اغاتي
مقالات اخرى للكاتب