مدخل
=======
لا يمكن تخيل استخبارات بلا إحصاء , فالدول المتقدمة برغم الكثافة السكانية العالية تعتمد علم الإحصاء بشكل كامل ويكاد يكون أحد أسرار تطورها , فالدول القوية استخباريا هي بالتأكيد قوية إحصائيا , فالاحصاء أحد ركائز بناء الدولة الحديثة وعامل مشترك لتطور كل العلوم واساس مهم لكل عمليات التخطيط.
وفي العراق , العمل الاستخباري بلا بيانات , فالاستخبارات لا تعرف كم فندق موجود وكم مطعم وكم مرآب عجلات وكم حي صناعي وكم شركة وكم جامعة وكلية وكم صيدلية وكم عيادة وكم مهنة.
وبسبب ضعف الإحصاء , فاننا نفتقد الأمن الاحصائي كأحد أساسيات الأمن ولهذا السبب فان الاستخبارات لدينا لاتعرف مواطنيها, فترى ان أي شخص يحمل اسم محمد أو احمد او علي في مغادرة أو دخول جوازات المطار لديه مشكلة بسبب تشابه الأسماء , رغم ان الصين وهم اكثر من مليار انسان لايعانون من تلك المشكلة بسبب المعلومات المتوافرة لدى الاجهزة الاستخبارية من معلومات تمنع الخلط.
ان قاعدة بياناتنا لا تتجاوز عشرة معلومات فقط عن المواطن, بينما تحتاج الاستخبارات في العالم الى قاعدة بيانات تحتوي 90 معلومة عن كل مواطن كحد أدنى و160 معلومة هو الحد الجيد لتصبح ضمن إطار الأمن الاحصائي وحينها ستعرف استخبارات الدولة مواطنيها.
===================
استخبارات لاتعرف مواطنيها
===================
في أمريكا , اثنان من الأخوة فجروا قنبلة في سباق ماراثون , وبعد ساعات كان ابوهم يخضع للتحقيق , وفي تركيا , وخلال شهر واحد, طرد الآلاف وأغلقت منظمات ومدارس ومشافي وجامعات وأحيل للتحقيق الآلاف بسبب انقلاب دام عدة ساعات كل خسائره هم ربع خسائر تفجير الكرادة .
بينما في العراق , بعد مرور شهرين على حادثة الكرادة المروعة ورغم إعلان داعش صورة وكنية المجرم الانتحاري , لم تتمكن اجهزة الاستخبارات من تحديد هوية المجرم الملعون وقد لا تستطيع على الاطلاق , ولو كانت لدينا صور المواطنين جميعاً وبرنامج تطبيق الصور لتعرفت الاستخبارات على هذا القاتل بعد إعلان داعش بساعات ,وعلى الأقل, لعرف أهل الضحايا من قتل ذويهم , ولعل شقيق هذا المجرم يعمل في الدولة ويتقاضى راتب وكذالك عائلته , بل اننا الى الان لم نخرج باسماء 50 عراقي الأبرز في داعش وننشر صورهم ومعلوماتهم على الناس لاننا ببساطة لانعرفهم , بل اننا برغم تعرضنا للهجمات الشرسة والحرب لانمتلك أية بصمات أو صورة لتوثيق الوافدين والمسافرين في مطارات العراق ,ما عدا كوردستان طبعا التي تطبق ذلك منذ فترة طويلة.
==============
مستمسكات بلا جدوى
==============
وبالرغم من ان العراق هو الأول في تعداد المستمسكات (الجنسية, شهادة جنسية , بطاقة السكن , البطاقة التموينية, بطاقة الناخب , الجواز , اجازة السوق , البطاقة الوطنية وأنواع باجات وهويات العمل والنقابات والأحزاب والجامعات), ولكن كلها غير مفيدة في الإحصاء ولا توجد فيها أكثر من معلومات الجنسية , وأغلبها مخطوءة خاصة في مجال الطول ولون العين والبشرة.
كان المفروض ان نقطع البلد إلى أجزاء بالبيانات وليس بالجدران الكونكريتية , فمثلاً لم تفكر الاستخبارات العراقية بضباط الهندسة العسكرية السابقين الذين يحملون خبرة سنوات طويلة من الحرب وهم قادرون بحكم خبرتهم على التفخيخ , ولم تعد بيانات عن هؤلاء ومن منهم بالخدمة ؟ومن المتقاعد؟ وأين هو الآن؟وهو امر لايمكن ان تقوم به دون قاعدة للبيانات .
كذلك تستطيع الاجهزة الاستخبارية من خلال قواعد البيانات ,ان وجدت , ان تحصي المجرمين واعمارهم والبيئة والمؤثرات وبيانات عوائل رجال الأمن ومَن مِن أفراد عائلته التحق بالارهاب وقتل في الارهاب , ومن تلك البيانات تعلم الاستخبارات ان كانت هنالك صلة بين السجين والسجان أو القاضي والمتهم أو ضابط الاستخبارات والإرهابي .
نحن نعيش في فوضى رقمية وفشل عام في مجال الاحصاء, فنحن بلد بلا إحصاء ولا ترابط إحصائيات, فوزارة الصحة تفتقد لإحصاء المرضى والأمراض ,ووزارة الشباب والرياضة لا تمتلك إحصاء للشباب والرياضيين ووزارة العمل لاتعرف العاطلين ولا توثق اوتحصي أصحاب المهن الحرة ولا نعرف إحصاء العجلات وسيارات الأجرة وورش الخراطة التي يمكن أن تصنع كواتم الصوت , كما ان مسجل الشركات لايحصي الشركات , وحتى العقارات لدينا بلا إحصاء , وكذا الامر مع الداخلية التي لا تحصي الجناة والمجرمين , و المخابرات لديها عدد الوافدين والخارجين من غير العراقيين لكنها قليلاً ماتعرف أين هم وماذا يفعلون وليس لديها إحصاء بالإرهابيين الأجانب العاملين مع داعش من جميع الجنسيات.
================
المركز الوطني للمعلومات
================
ان على الحكومة اعتماد وتنفيذ مشروع عملاق في مجال الاحصاء وبناء قاعدة بيانات وطنية كبيرة وموسعة تحت مسمى المركز الوطني للمعلومات , وان توسع بيانات الأفراد والمؤسسات , ففي مجال الافراد لابد من توافر معلومات اساسية موثقة , ومنها (الاسم الرباعي الكامل واللقب , والاسم الثلاثي للأم , والحالة الاجتماعية , وأسماء العائلة من الدرجة الأولى , وبصمة أصابع اليد , وبصمة العين والأذن وفصيلة الدم والدي أن آي, وتضاف اليها العناوين والشهادات والأمراض والآثار والعلامات الفارقة في الجسم واللغات التي يتقنها, مواصفات الجسم من الطول والوزن وصورة شخصية حديثة والسجل الجنائي و رقم الجواز والرقم الوطني ورقم الجنسية وحركة السفر , رقم صندوق البريد ورقم سلاحه وأرقام العجلات وحتى ارقام الحسابات المصرفية وغيرها من رقم الضمان والتأمين كما تثبت إجازات ممارسة المهنة والشركات والممتلكات.
ولتكوين مركز وطني ناجح للمعلومات نحتاج الى إحصاء وبيانات مفصلة عن كل المواطنين بمافية فئاتهم واعمالهم وعن الشركات ,السلاح , العجلات , المجرمين , الجرائم , الارهابيين , ضحايا الإرهاب , الحوادث , الفنادق , الأحياء الصناعية ,المطاعم , سيارات الأجرة , النقابات , الاعلام , الاحزاب , الجامعات ,الهواتف , الانترنيت , الجوازات , المستمسكات , المساجد ,المزارات ,المغتربين , الوافدين , العمالة الاجنبية , الشركات الأجنبية , المصارف , العقارات , الأمراض , المعاقين , العيادات السفارات , شركات السفر , الرياضيين,السجل الجنائي , الزواج والطلاق , السجل الامني , المشمولين بالعفو , المفصولين السياسيين , البعثيين , الضباط , عناصر الاجهزة الامنية والقوات المسلحة وغيرها.
فكلما توسعت المعلومات تقلص التشابه وزادت المعلومات ويسهل معها ضبط الأمن وحركة الاستخبارات , وهذا المشروع الوطني الكبير يدر بالفائدة على كل مفاصل الدولة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً وعلمياً, فعندما تتوافر الإحصائيات سوف تشخص الحكومة النواقص والاحتياجات وتضع العلاجات المناسبة لكافة المشاكل.
وبفترض ان تكون المعلومات محدثة واعتبار عدم تحديث المعلومات جريمة , فمثلاً , الآلاف سيشملون بالعفو , ولكن لاتوجد قاعدة بيانات وطنية تثبت المشمولين وتدخلهم في سجلها العام.
وبالطبع , بعد استكمال بيانات الأفراد , يؤسس المركز لبيانات تشمل دليل الهاتف والدليل التجاري والدليل الطبي والدليل الصناعي والدليل الجامعي والدليل السياحي والدليل الأمني .... وهكذا.
==============
مركز معلوماتي مربح
==============
ان مركز البيانات يمكن أن يكون مربحاً ويبيع بعض الخدمات للمعنيين , فمثلا عندما يذهب مواطن لشراء شريحة هاتف من مكتب اتصالات ويعطي رقمه الوطني فقط ومركز البيانات يبيع خدمة الوصول للمعلومات عن المشتري مقابل دولار واحد لكل فرد فيكبس الموظف على الانترنيت ويستحصل مايحتاجه لإبرام العقد كألاسم أو العنوان وصورة الشخص وحسب عقد شركة الاتصالات وهنا لايمكن أن يشتري الارهابي شريحة بمستمسكات مزورة كما يحدث باستمرارمنذ سنين, مع الاسف.
وبالطبع فان مركز البيانات يبيع لكل جهة أو مؤسسة المعلومات وحسب حاجتها مثل شركات الهاتف والمرور والضريبة والسفارات والمصارف والجوازات وغيرهم.
=======
خلاصة
=======
ان إنجاز مشروع البيانات يحتاج همة قوية و قرار ومشاركة وأجهزة حديثة , فقاعدة البيانات الموسعة هي مرجعية للجهد الاستخباري وضباط التحليل كمرجعية جدول الضرب للأرقام فإذا كان الشخص لايعرف جدول الضرب فما فائدة الارقام ؟ وكمرجعية العدل في المحكمة وكمرجعية الحرية في النظام الديمقراطي وكمرجعية الماء للحياة , فكيف يمكن تخيل جهد استخباري وتحليل استخباري بلا قاعدة بيانات تكون أساس تعود فيها وتراجعها الاستخبارات للتأكد والتمحيص والتدقيق وحصر الأهداف وتقليص الاحتمالات وتحديد المسارات , فالبيانات بمثابة القلب النابض للجهاز الاستخباري وهو الذي يجعل الاستخبارات حيوية وفاعلة ومنتجة, وهي بنى تحتية مهمة وحياتية للامن والاستخبارات فالاجهزة الامنية تعمل معصوبة العين بلا بيانات .
ولو اكتفى رئيس وزراء العراق بإنجاز مركز المعلومات الوطني لمدة أربع سنوات لكان من أكبر الإنجازات لمستقبل البلد, اما ان ننشغل بقانون العفو العام قبل ان تكون لدينا قاعدة بيانات ومركز معلومات دقيقين وقبل ان نحرر اراضينا من دنس الارهابيين فهذه مسئلة محيرة ومربكة للعمل الاستخباري الذي هو بالاساس يعتاش في معلوماته على الشائعات والتكهنات , وهي في باب اخر طعنة نجلاء لذوي الشهداء الذين عجزنا من ان نعرف قاتلي ابنائهم بسبب ضعف معلوماتنا, والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب