فى منتصف ستينات القرن الماضي كنت مرافقا وملاصقا لوالدي رحمه الله فى حله وترحله وفى سفراته وتنقلاته لأني كنت الابن الأوسط لأخوين وأختين أكبر مني وكنت المدلل لأبيه وجده وأعمامه وعماته !
كنت قصير القامة وبدينا وذو رأس مكور حليق الشعر وكثير الحركة . وكان يطلق عليّ تحبباُ أسم ( نصوّ ) أو ( نطوّ ) من تصغير أسم ناصر !
وكثيرا ما كانت والدتي تسألني عن الأماكن التيزرناها وأين ذهبنا ومن التقينا وهل كانت هنالك نساء او ما شابه ذالك وكنت أجيب على كافة الأسئلة بعد انتدس في جيبي خمسة فلوس دون تردد مني ودون انأعي ما ذا كانت والدتي تقصد من تلك الأسئلة !!
وحين علم والدي بالموضوع راح يطلق عليّ لقب ( الجاسوس ) !!
وحينها راح يأخذ تحوطان الأمن والأمان عندما يتعلق الموضوع بالحديث عن النساء لهذا كانت يرسلنيلشراء علبة سكائر ( غازي ) او ( جمهوري ) بحيث يبعدني فيها عن أجواء الحديث مع رفقائه !!
عصرا وقبل آذن المغرب كنا نذهب كل يوم أنا ووالدي الى الصحن الحسيني القريب عن مكان سكنانا لأداء صلاة المغرب والعشاء وكان والدي يتخذا من يسارالصحن مكانا لأداء الصلاة هو جماعته منفردين . عكس المصلين الآخرين الذين يؤدون الصلاة زرافات زرافات خلف أحد رجال الدين ؟
وبعد انتهاء من أداء الصلاة يغادر والدي المكان اويبقى لفترة وجيزة من الوقت يسامر أصدقائه ورفقائه .
كنت استرق السمع وهو يناقش ويتحدث مع أصدقائهعن أمور الدين والسياسة وكثيرا ما كان يردد مصطلح ( الإخبارية ) وحينما كبرت ادر;ت ان والدي كان أخباري المذهب !؟
وعرفت ان هذا المذهب لا يختلف كثيرا عن مذهبالأثني عشري الشيعي ولكنه كان يختلف معه فىأمور فقهيه معينه* ... أذن هو شيعي اخبارى !!
اما انا فلم يعلمني والدي الصلاة او اي التزاماتدينيه أخرى غير انه كان يحذرني من الكذب أو السرقة أو الغيبة أو إيذاء أي شخص . بحيث كان ينهرنيحينما يجدني ألهو بالحشرات التي كانت تجتمع صيفا تحت اضوية الانارة فى الصحن الحسيني !!
فى الطرف الأيمن من الصحن الحسيني كان هنالك رجل الدين السيد حسن الشيرازي يؤم بمجموعه كبيره من المصلين وكنا نحن الصغار ننتهز فترةالتوقف ما بين صلاة المغرب والعشاء ونصطف زرافات زرافات لنقبل يد رجل الدين هذا طلبا للشفاعةمنه بعد ان اقنعني احد اصدقائي الصغار ان تقبيل يد رجل الدين هذا سوف يمسح عنا كل الذنوب ويدخلنا معه للجنه حيث الله و الملائكة وهى تحوم حول العرش !!
وكان هذا الحديث يأخذني فى خيال ميتافيزيقي الىالكون السرمدي الامنتهي ... حيث امتداد البصر .... خضار دائم .. مياه رقراقة .... حور حسان ... وانهار من الخمر التي لم أكن اعرف ماهيتها !
حينها كنت أتمنى ان أعيش حياة الآخرة لأستمتع بهاخيرا من حياة هذه الدنيا !!
ولو كان كان هنالك طريقا رحيماّ للموت لأقدمت علية طواعية !!
وحين وصلت بالقرب من السيد الشيرازي كانت يده اليمنى ممدوده الى الأمام ومرتفعة بمستوى صدره وقد هيئها للتقبيل !!
سجدت أمامه بخنوع ولثمت يده بخشوع طاغ وكأني الثم حلمة ثدي أمي !!
كانت يده ناعمة ملساء ... رقيقه بيضاء تشوبها الحمره !!
قبلت ظهرها وباطنها ومسحت بها جبيني وكأني بهأتوسل اليه كي لا يتركنى طعما لألسنة نار جهنم التي حذرني منها شيخ موسى وانا ادرس تحت يده فى ( دروس الملة ) !!
حينها ربت السيد الشيرازي على رأسي وهو يتمتم بهمس تسرب لمسامعي كأنه خرير مطر ... وشفيف حالم ... وقال لي :
( حشرك الله معى يا ولدى يوم القيامة فى الجنة ) !!
حينها لم تسعني كل الدنيا ... وكدت ان أطير فوق السحب والغيوم وانا السابق حمام ( الحضرة ) بعد ان تيقنت أن صك الغفران قد أخذته من هذا الرجل التقى النقي وولى الله على الأرض لحين ظهور المهديالمنتظر .... ركضت مسرعا نحو والدي والذي كان يؤدى آخر فرضا للصلاة ... وحين أكمل صلاته قلت لهوالفرحة العارمة تهز كياني :
يا أبي ... ان الجنة ستكون من نصيبي دون ان أصلىأو أصوم مثلك وهذا ما وعدني السيد الشيرازي !!
حينها ضحك والدي بمليء شدقيه وربت على رأسيبحنو وقال
اسمع يا ولدى لو كانت مفاتح الجنة بيد هولاءالدجالين لهجرتها الملائكة وأصبحت أرضا يباب .. انمفاتيح أبواب جهنم بأيدي هولاء لا أكثر ! فحذاري ولا تقرب بعد الآن منهم !!
ربما لا تعي يا ولدي الحبيب ما أقوله لك الآن ولكن هىالحقيقه التي ستعرفها حينما يصلب عودك وتكبر !!
أن هولاء يا ولدي صنيعة ( أبو ناجي ) من أجل خراب الإسلام والتشيع العلوي !!
هولاء تدعمهم الحركه ( الماسونيه ) لأهداف كبيره لا تعيها الآن وربما حتى في المستقبل القريب !!
اسقط والدي من يدي كل الأحلام التى نسجتها وانااقطع المسافه الواصله بين مكان والدي و السيد الشيرازي .
الجنة .... وطيورها .... الملائكة وهي تحلّق فوق راسي ... الحور الحسان وأخيرا انهار الخمر التى كنت لا اعرف طعمها حينذاك ويا ليتني كنت أعرفه !!
الآن ولهذه اللحظة ادركت كم من هولاء الدجالون لا زالوا يمارسون دجلهم دون ان يدرك البعض حقيقتهم ... وكم من الوقت سوف نحتاج لكشف عورة هولاء ... بعدما اوصلوا البلاد والعباد الى ما وصلنا اليه الآن بفضل ضلالتهم وفتاواهم ؟؟
وحينها تعلمت من والدي ان الجنة بعيده كل البعد عن هولاء وقريبه كل القرب عن أحباب الله الفقراء ... أمثالنا !
واخيرا ادركت ان الدين هو المعامله وأن الدين هوالأخلاق ... فكم كانت اخلاقك جديدة يكون دينك جيد حتى لو كنت تعبد الأوثان !!
لهذا كله ... فلم ادرك الصلاة والصيام يوما ما ... لأني كنت ولا زلت اعتقد أن الجنه لا تأتى اليك من خلال الصلاة والصيام بل من خلال فعل الخير .. للناس .. للبشريه كلها
انتهى ....
توضيح :
* الأخبارية أو الإخبارية هي إحدى فرق الإمامية الاثنىعشرية ، التي ظهرت أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي ، ويقابلها طائفة الأصوليين الذين يمثلون الأكثرية داخل الشيعة الإمامية ، في حين يمثل الإخباريون الأقلية، وما زال لهم وجود حتى اليوم.
والخلاف بين الطائفتين يمثل خلافاً في بنية المذهب الشيعي وفي أركأنه ورجاله، حيث ترى الأخبارية أن الاعتقاد السليم يقوم على العمل بالأخبار المنقولة عن المعصومين - حسب زعمهم - أو المنسوبة إليهم بدون النظر إلى شيء آخر. فهم إذا لا يعتمدون إلاّ على متون الأخبار التي تروى عن أئمتهم، ويتمسكون بظاهر الحديث، ولا يرون الأدلة الشرعية إلاّ الكتاب والحديث، وهم بذلك يمنعون الاجتهاد وإعمال العقل.
ويرى الإخباريون أن ما في كتب الأخبار الأربعة عند الشيعة الكتب الأربعة أهم المصادر للأحاديث المروية من الأئمة، وهي:
أ- الكافي: لمحمد بن يعقوب الكليني (ت 328هـ)، وهو أهم مراجعهم، وفيه 16199حديثاً.
ب- كتاب من لا يحضره الفقيه: لابن بابويه القمي المشهور عندهم باسم "الصدوق" (ت 381هـ).
ج- تهذيب الأحكام: لأبي جعفر الطوسي المعروف بـ "شيخ الطائفة" (ت 460هـ).
د- الاستبصار: للطوسي أيضاً. يقول شيخهم الفيض الكاشاني (ت 1090هـ) "إن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها".
كلها صحيحة قطعية الصدور عن الأئمة، ويقولون ما دام أصحاب الأئمة نقلوا هذه الروايات من الأئمة، فأنها لا تحتاج إلى النظر والبحث والتحقيق والتفتيش، لا عن السند لأنها من صاحب الإمام، ولا عن المتن لأنه من الإمام..
وبالمحصلة فإن الأخباريين يرون الحجة في الكتاب والخبر - حسب مفهومهم ـ، ولا يرون حجة للإجماع أو الاجتهاد أو دليل العقل.
ويعتقدون أن الاتجاه الأخباري كان هو السائد بين فقهاء الإمامية إلى نهاية عصر الأئمة، ولم يتزعزع هذا الاتجاه إلاّ في أواخر القرن الرابع الهجري وبعده، حين بدأ جماعة من علماء الإمامية ينحرفون عن الخط الإخباري ويعتمدون على العقل في استنباطهم، ويربطون البحث الفقهي بعلم أصول الفقه، تأثراً بطريقة أهل السنة في الاستنباط، ثم أخذ هذا الانحراف - كما يقولون - بالتوسع والانتشار. فهم يعتبرون أنفسهم حركة تصحيح وتأصيل، تطلعت للعودة إلى الينابيع الأولى لفقه الإمامية ، وتجاوز التطورات التي جدّت عليه.
ظهرت الحركة الأخبارية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي (**) كانت بعض أوساط الإمامية تعتبره "المجدد لمذهب الإخباريين" باعتقاد أن ابن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381هـ (991م) هو رئيس الأخباريين استناداً إلى كتابه "من لا يحضره الفقيه"، فقد أراد أن يضع كتاباً في الفقه يرجع إليه من لا يجد فقيها شيعيا يستفتيه، لكن كتابه خرج مجموعاً منتخباً في الحديث. وهناك من يعتبر الحر العامليالإخبارية.
إلاّ أنّ نسبة مذهب الإخبارية إلى الاسترابادي يعود إلى أنه هو "الذي حوّل الانتفاضات الصغيرة إلى ثورة حقيقية على المجتهدين (الأصوليين) ونهجهم"، وأنه "أول من فتح باب الطعن على المجتهدين" كما تذكر كتب الشيعة ، وهو الذي وضع تقسيم (أخباري/ مجتهد). وله كتاب "الفوائد المدنيّة في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية".
وقد رد نور الدين العاملي على ما ألفّه الاسترابادي بكتاب أسماه: "الفوائد المكيّة في مداحض حجج الخيالات المدنية ونقض أدلة الأخبارية"، ورد عليه أيضاً دلدار علي اللكهنويبكتاب اسمه "أساس الأصول". وفي الجانب الآخر، أي الإخباريين، ألفّ الميرزا محمد عبد النبي النيسابوريالهندي الشهير بـالأخباري كتاباً أسماه "معاول العقول لقلع أساس الأصول" دافع فيه عن كتاب الفوائد المدنيّة للاسترابادي ، وعنّف القول على مؤلف أساس الأصول واستخدم السباب والشتام، فانبرى عدد من تلاميذ دلدارعلي ( نظام الدين حسين ، و أحمد علي وغيرهما) للدفاع عن شيخهم والرد على الأخباري ، وألفّوا كتاب "مطارق الحق واليقين لكسر معاول الشياطين".
وهكذا ظل الصراع محتدماً بين الإخباريين والأصوليين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبرز من الإخباريين في تلك الفترة الشيخ يوسف البحراني ، صاحب كتاب "الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة"، والمولود سنة 1107هـ (**)متوفى سنة 1187هـ (1772م)، وكانت المعارك بين الطرفين تدور بشكل خاص في مدينة كربلاء في العراق، حيث كان للأخباريين وجود لافت، ولم يقتصر النزاع على علماء الشيعة من الطرفين، إنما انتقل إلى صفوف عوامهم، وأفتى بعض الأصوليين من علماء الشيعة بعدم صحة الصلاة خلف البحراني.
وفي المقابل أوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين وتسفيه منهجهم ومؤلفاتهم، إلى درجة أنهم كانوا لا يلمسون مؤلفات الأصوليين بأيديهم خوفاً من نجاستها، إنما كانوا يقبضونها من وراء ملابسهم، كما جاء في كتاب جامع السعادات للنراقي.
مقالات اخرى للكاتب