لا أحد ينكر دور العملية النقدية في تعزيز المستوى الأدبي ورفع شأن الحركة الثقافية . فالنقد أحد ركائز الأدب وأهم مقومات ومؤثرات الحركة الادبية، وهو النهج الواعي والإرادة العلمية التي يستطيع بها الناقد تصحيح مسار حركة الأدب .وبدون النقد الموجه الهادف الذي يبغي البناء الواعي لا يمكن ضمان عدم الانحرافات والتجاوزات في مسار حركتنا الثقافية وضمان استمرار العطاء والابداع المتجدد . وتتمثل مهمة الناقد في قراءة النص الادبي والحكم عليه بالجودة او الرداءة وكشف عيوبه ومزاياه بموضوعية تامة ،بعيدا عن المحاباة والمجاملة . ولا يمكن ان نفصل النقد الادبي في رؤيته الشاملة المعارضة عن مجمل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي ،بانماطه المختلفة والمتباينة .
وعلى الدوام كان النقد الموجه هو الرقيب على تراث الامم والشعوب وحضارتها والسيف المسلط على رقاب الدخلاء والمتطفلين ورقاب كل من تسول نفسه حرف المسيرة على امتداد التاريخ العربي الحضاري .كما ان النقد الادبي الموجه كان وسيظل بمثابة الكشاف الذي ينير الدرب وقنديل الزيت الذي يشكل خط زوال المزيفين من الكتاب وادعياء الادب والثقافة .
وللامانة والمصداقية اقول ان النقد المحلي في كل مراحله متواضع ومفرط ومفسر ،انه نقد الاطراء والمجاملات وتحكمه نوازع الصداقة او العداوة ووشائج العلاقات الفكرية والحزبية والعقائدية والتنظيمية ،وهذا الامر بات نهجا واضحا تثبته وتؤكده ما تمتلىء به الصحف والاوراق الثقافية والمواقع الالكترونية .
وما من شك ان غياب وانعدام حركة نقدية فاعلة ونشطة سبب رئيسي ومباشر وراء الفوضى اوالمهزلة الادبية السائدة، وهذا التدهور والانكماش الحاصل في الحياة الادبية والثقافية المحلية .وكذلك الضحالة والاسفاف الذي يميز الكثير من الاعمال والنصوص الادبية بمختلف اجناسها والوانها ،النصوص الخالية من البعد الاجتماعي والسياسي والمضمون الانساني الجمالي وخصائص العمل الابداعي الجاد والرفيع .فقد اختلط الحابل بالنابل والقمح بالزوان وانحسر الابداع الادبي الجميل والاصيل المؤثر المرتبط بقضايا الحق والحرية والجمال والعدالة والمعبر عن الالام والامال والطموحات الشعبية .
لقد كانت هناك اصوات واقلام نقدية قدمت لحركتنا الثقافية قسطا وفيرا من خلال ما كانت تكتبه وتنشره من دراسات في الصحف والمجلات ،لكن للاسف ان هذه الاصوات تراجعت وخفتت وصمتت وبعضها جف مدادها .وغني عن القول ان حركتنا الادبية ستظل تتخبط ان لم تتدخل موازين النقد في صياغتها وتحديد اهدافها .
وتاسيسا على ذلك هناك حاجة ملحة لحركة نقدية تاخذ دورها في معمعان الحركة الثقافية ،ودعوة الاقلام الناقدة العودة الى المرافئ القديمة لتسهم في دفع المسيرة الادبية واغنائها ،فوجود حركة نقدية فاعلة اصبح ضرورة موضوعية ومطلبا ادبيا هاما من اجل تقييم وتصحيح حركتنا الادبية وتجديد انطلاقتنا الثقافية والتخلص من حالة الشلل والترهل والبؤس والضمور الادبي الراهن ،وغربلة هذا الكم الهائل من الانتاج الادبي الرديء والغث الغارق في الذاتية والعدمية ،ولاجل اعادة الوهج والاصالة والاحترام والاعتبار للكلمة الادبية الجميلة المرهفة القادرة على اثارة المشاعر والاحاسيس الانسانية والعمل على التحريك الثقافي الحضاري الحداثي .
مقالات اخرى للكاتب