يعتقد البعض ان افتعال أزمة المناطق المتنازع عليها وتداعيات الأحداث التي تلتها بين بغداد واربيل وقرع طبول الحرب بين المركز والإقليم لدرجة وصلت حد تحريك وتحشيد القوات العسكرية من كلا الطرفين إنما هي مسرحية معدة سلفا من قبل طرفي النزاع وهما السيد رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي وزعيم إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني لاسباب تتعلق باستحقاقات المرحلة المقبلة. ورغم ان اصحاب هذا الاعتقاد لا يجزمون لدرجة القطع بوجود مثل هذا الاتفاق الا انهم يربطون المقدمات بالنتائج فيرجحوا خيار الاتفاق على باقي الخيارات دون ان يغفلوا مبدأ السياسة العام وهو فن الممكن اضافة الى ذلك فان هؤلاء يعتقدون ان اطالة فتيل الازمة وتكرار سيناريو الاحداث يضيف بعدا اخر على الجزم بوجود اتفاق بين الطرفين،لذا تراهم لا يتورعون عن الخوض والجزم بوجود مثل هذا الاتفاق الذي اوصل البلاد الى حافة اعلان الحرب وجعل الجميع بحالة من الترقب والخوف. وما يجعل هؤلاء الذين يعتقدون بوجود اتفاق بين المالكي والبارزاني على اشعال الساحة السياسية واستغلال البعد القومي كورقة رابحة جديدة لم يتم تداولها من قبل في الاستعداد لاستحقاقات المرحلة المقبلة هو هذا الاستقطاب من قبل الطرفين في التوقيت وفي بعد القضية في ظل اجواء كانت كلها تؤشر على وجود انتكاسة كبيرة في مسيرة الطرفين،فموقف المالكي كرئيس لمجلس الوزراء احرقته ملفات الفساد وصناعة الازمات وسوء الخدمات وتخبط السياسة الخارجية ولا يوجد لديه ما يمكن ان يصرح به للجمهور من انجازات فالملف الامني يعاني من الاختراق والفشل وملف الاعمار لا توجد به جنبة حسنة واحدة وملف الخدمات وملف الماء وملف الكهرباء وملف معالجة البطالة وملف السكن وملف الصحة هذه وغيرها كلها ملفات كاسدة ولا يمكن التفاخر بها،على الجانب الاخر فان مسعود بارزاني يعاني من مشاكل جمة تتعلق بادارة الاقليم وتوزيع الثروات والصلاحيات وظهور منافسين وان لم يكونوا بقوته الا ان توحدهم سيخلق منهم مشكلة كبيرة قادرة على انتزاع المال والجاه والمقاولات. ومن حق هؤلاء ان يتمسكوا بما يعتقدوا من وجود اتفاق بين الرئيسين (المالكي وبارزاني)لان المؤشرات الاخيرة تدل وبحسب قناعات الطرفين على ان هذه الازمة قد اعادة حظوظهما الى مستوى الرضا والقناعة فمسعود ظهر بموقف البطل القومي المدافع عن حقوق الكرد فاستقطب على هذه الاستعراضات معظم الطيف الكردي وحقق تقدما سيشكر المالكي عليه ما بقي وهذا المعنى يذكره الكرد المعارضين لمسعود بحسرة ومرارة،على الطرف الاخر فان المالكي ظهر هو الاخر بموقف المدافع عن حقوق العرب والتركمان بوجه التوسع والاطماع الكردية وبات مرضيا عليه من قبل مشعان الجبوري وظافر العاني والعرب السنة في المناطق المتنازع عليها وفي غيرها وهذه الاضافة يحتاجها المالكي لاختراق صفوف العرب السنة ولتعويض النقص الحاصل لشعبيته في مناطق الوسط والجنوب بسبب الفساد وسوء الخدمات. مهما يكن وسواء تولدة الازمة بين المركز والاقليم من خلال اتفاق او بدونه فانه يؤشر خللا كبيرا في فهم ادارة وبناء الدولة لم نتخلص منه رغم سنوات القهر والحرمان ،كما ان الخلل ليس في النخبة الحاكمة فقط بل الخلل فينا ايضا لاننا لا زلنا نعبد الطريق لخلق ديكتاتوريات جديدة وبطرق مختلفة.
مقالات اخرى للكاتب