العراق مهد الحضارة, وموضع أول حرف خط في هذه المعمورة, والإرث والعمق الحضاري الضارب في عمق التاريخ للعراق لا ينكر, يشهد على ذلك هذا الكم الهائل من الآثار والسلالات التي عاشت في العراق كالسومرية والأشورية والبابلية والاكدية ..الخ.
هذا الإرث الحضاري يرافقه قوة اقتصادية كبرى للعراق, تتمثل بأراضيه الخصبة, المتزاوجة مع نهري دجلة والفرات, وكذلك وفرة المعادن والثروات الطبيعية, الكامنة في باطن أرضه,
وبمقتضى الحال, وبسبب هذه المقومات, يفترض أن يكون العراق, من أكثر الدول تعلما وتقدما, ومن أغناها شعبا وأكثرها رقيا.
لكن الحال وللأسف, على عكس المقتضى, فالعراق الذي علم الناس الكتابة, تبلغ نسبة الأمية فيه مستويات تفوق المتوقع, فآخر إحصاءات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي, تشير إلى إن نسبة الأمية بين الشباب بلغت 74%, أي إن ثلاثة أرباع الشعب أو لنقل الجيل القادم لإدارة دفة البلد في المستقبل القريب هم أميون.
الأمية في المستقبل القريب, ستكون العائق الكبير أمام تطور البلد, فهذه النسبة من الأمية بين الشباب, وما يرافقها من ضعف في المستوى العلمي للطلبة الدارسين, سيؤثران سلبا على تطور الخطط التنموية وتطوير القدرات وبالتالي يؤثر على تقدم وتطور البلد.
ومع هذا الواقع نجد الترهل في المؤسسات التعليمية, وتخبط خططها في مكافحة الأمية من جانب, وتطوير المناهج وقابليات الطلبة من جانب أخر, فلا مدارس نموذجية, أو مستوفية لأبسط مستلزمات الدراسة ولا تجهيزات, فواقع البنى التحتية للمؤسسات التربوية بحالة رثة, ومتواضعة.
وفي الجانب الاقتصادي, فالوضع ليس بأفضل من سابقه ـ الأمية ـ فالعراق الغني بإرثه الحضاري يعاني من الأمية والعراق الغني بموارده وثرواته يعاني الفقر, فالإحصائيات الحكومية الرسمية تشير إلى إن نسبة الفقر في العراق هي 25,6 أي إن أكثر من ربع الشعب العراقي هم تحت خط الفقر, ونفس المشكلة تقف هنا ألا وهي, إن الحكومة لم تضع الخطط الناجحة, لرفع المستوى ألمعاشي للشعب.
إن العمق التاريخي والإرث الحضاري والكم الهائل من الثروات, لا يشفعان إن لم يوازيهما حاضر متألق ومتطور, فما نفعي أن أجدادي علموا الدنيا رسم أول خط للحرف وأنا أمي لا اقرأ, وما نفع مكنون الثروات إن كنت لا أجد سكن أو عملا أتكسب به.
وما يؤسفنا حقا, هو تبجح بعض السياسيين من أبطال المناصب وشاشات التلفاز, الذي يبشرون الشعب المتعب بأنهم أهل حضارة وأنهم يعومون على بحر من النفط, ألا يخجل هؤلاء من تبجحهم الفارغ هذا؟, أليس عليهم أن يعترفوا بالواقع وبصدق هذه الأرقام؟, أليس عليهم أن يكون صادقين مع أنفسهم؟, والعمل على إعداد خطط تشفع لتطور البلد وشعبه علميا واقتصاديا.
خلاصة القول : إننا لا نريد أن نفتخر بماضي لا يلقي بظلاله على الحاضر ويطوره, ولا نريد أن نتبجح بثرواتنا وأبناء شعبنا محرومون منها, إننا نريد من ارثنا ومن ثرواتنا أن نبني ونطور حاضرا.
مقالات اخرى للكاتب