دخول القوات التركية إلى الأراضي العراقية محل جدل منذ عدة أيام ولازال، وصدرت العديد من ردود الأفعال والمقترحات لمواجهة ذلك التعدي الواضح الخطأ والغامض الأسباب، ومن ضمنها خيار المقاطعة الاقتصادية، فهل هو ممكن؟ وهل هو مفيد؟
قبل الإجابة لا بد من استعراض-ولو بشكل مختصر- جوانب العلاقة الاقتصادية بين تركيا والعراق، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
1-التبادي التجاري بين العراق وتركيا:حجم التبادل التجاري بين العرب وتركيا بحدود 60 مليار دولار، منها ما بين 10 إلى 13 مليار دولار هي مقدار حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق، أي ما نسبته (16-20) بالمئة وبحسب كتاب حقائق العالم (The World Factbook) فإن العراق في سنة 2014 يعد المستورد الثاني للصادرات التركية وبنسبة 6,9 بالمئة بعد ألمانيا التي كانت نسبتها 9,6 بالمئة وتبلغ قيمه هذه الصادرات-حصة العراق منها- أكثر من 12 مليار دولار، وقد حافظ العراق على هذا الموقع منذ عدة سنوات حيث جاء ثانياً بعد ألمانيا أيضاً وبنسبة 7,1 بالمئة في سنة 2012م. ومن نسبة الاستيراد نعرف إن ميزان التبادل التجاري بين تركيا والعراق يكاد يكون بنســـبة 100 بالمئة لصالح تركيا لأن العراق يستورد منها فقط ولا يصدر لها شيء تقريباً.
2-الشركات التركية العاملة في العراق:
توجد العديد من الشركات التركية العاملة في العراق، وفي مجالات مختلفة، بعضها في مجال تنفيذ المشاريع مع المحافظات أو الوزارات، وبعضها مع مجال الاستثمار، وبعضها مع الشركات النفطية، وبعضها بشراكات مع القطاع الخاص العراقي، ولكن للأسف لم أجد احصائيات دقيقة بشأن اعدادها ونشاطاتها ولا حجم أعمالها في العراق بشكل كامل، ولكنها بلا شك تمثل نشاطاً مهماً تحرص الحكومة التركية على استمراره وخاصة في شمال العراق حيث الأهمية الكبرى لتركيا في توجهها نحو الشرق الأوسط بحسب خبراء، كما وفقاً لبعض الاحصائيات تقدير حجم عمل الشركات التركية في شمال العراق حيث ارتفع عدد هذه الشركات من 490 شركة سنة 2009 إلى 1020 في سنة 2011 وفقاً لوزير الصناعة في إقليم كردستان سنان جلبي، ويمكن-وفقاً لكلام الوزير حيث إنه يتم تأسيس 25 شركة تركية شهرياً في الإقليم- تقدير عدد الشركات في سنة 2014 بـ1920 شركة، ووفقاً للوزير نفسه فإن حصة الشركات التركية بين الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم تبلغ 52.7%.
3-رجال الأعمال العراقيين في تركيا:
هناك عدد كبير من رجال الأعمال والنشاطات التجارية العراقية تتواجد في تركيا، وهذا عنصر إيجابي وسلبي، إذ قد يمكن استخدامه في الضغط على الحكومة التركية، وقد يمكن استخدامه في الضغط على الحكومة العراقية! ويتحكم في ذلك مدى وطنية رجال الأعمال هؤلاء وعلاقتهم بتركيا وعلاقتهم ببعض الساسة العراقيين بشكل مباشر أو غير مباشر.
4-السياحة:
بحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية بلغ عدد السياح العراقيين في تركيا لسنة 2014 857) -246 ) أي ما نسبته-وبحسب نفس المصدر- 2,33 بالمئة من عدد السواح الكلي الداخل لتركيا في نفس السنة والبالغ عددهم 36-837 -900 علماً إن عدد السياح العراقيين تضاعف تقريباً خلال سنتين أي من سنة 2012 إلى سنة 2014.
ولتوضيح تأثير عدد السياح العراقيين في تركيا فإن عددهم يساوي تقريباً عدد كل السياح من أفريقيا في تركيا، ويساوي تقريباً نصف عدد السياح من روسيا، وتقريباً ثلاثة أضعاف عدد السياح من السعودية.
ويقول معهد الإحصاءات التركي إن إيرادات السياحة التركية زادت 3.4 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام إلى 4.81 مليار دولار. وإيرادات السياحة مصدر مهم للعملة الصعبة لتركيا، وكانت إيرادات السياحة زادت11.4 بالمئة في 2013 إلى 32.3 مليار دولار، وإذا علمنا إن معدل ما تستفيد به الحكومة التركية من السائح هو 679 دولار لذا فإن ما تستفيد به الحكومة التركية من السواح العراقيين هو بحدود (600 مليون دولار) سنوياً، أما ما يصرفه السائح العراقي لكل تكاليف السفرة فهو بحدود المليار دولار سنوياً.
أما السواح الأتراك في العراق فلا توجد احصائيات بشأنهم علماً إن اعدادهم ازدادت في الآونة الأخيرة بالنسبة لزوار العتبات المقدسة بالذات والعاملين في الشركات التركية العاملة في العراق.
هذا وقد شهد قطاع السياحة في تركيا تراجع منذ بدء الاعمال العسكرية في تركيا والعراق ضد داعش.
5-تصدير النفط:
العراق يصدر ما نسبته 80 بالمئة من نفطه عبر مضيق هرمز و20 بالمئة عبر تركيا بحسب تصريح فرهاد الاتروشي عضو لجنة النفط والطاقة النيابية. وما يصدره العراق عبر تركيا هو عبر الخط العراقي التركي الذي أنشئ سنة 1977 وتم توسيعه عدة مرات، وهو بطول 1048كم وبطاقة نهائية تصل لـ(1,75 مليون برميل يومياً)، وحالياً يصدر منه نفط كركوك، وصولاً إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط ثم إلى أوربا في الغالب.ووفقاً لجداول وزارة النفط العراقية لشهر تشرين الثاني 2015 فإن التصدير من نفط كركوك كان نسبته صفر بالمئة وهو الاقرب للتصدير عبر الاراضي التركية كما إنه كان من بين الشركات الـ32 المشترية للنفط العراقي شركة (TP BADRA ) التركية.
علماً إن الحكومة العراقية كانت تخطط ومنذ فترة-في بدايات سنة 2014- وعلى أثر اتفاق التصدير النفطي بين كردستان وتركيا بدون موافقة الحكومة العراقية، تخطط لإيقاف تصدير النفط العراقي عبر تركيا واستبداله بخط أنابيب عبر سوريا بحسب ما نشرت صحيفة “يني شفق” التركية.كما إن خط تصدير النفط عبر الأردن ممكن أن يكون بديلاً ناجحاً عن الخط التركي ولكن الخط عبر سوريا هو الأفضل لكون الأخير بديلاً مناسباً عن الخط التركي للتصدير لأسواق أوربا.
و يصدر العراق عبر تركيا أكثر من 140 ألف برميل يومياً وهو ما يعادل أكثر من ربع (25 بالمئة) ما يتم تصدير من نفط عبر تركيا إلى دول العالم.
انتاج تركيا من النفط في اراضيها بحدود 53 الف برميل يومياً، وتستورد تركيا نحو 200 ألف برميل يومياً من النفط من إيران، وهو ما يغطي 30 بالمئة من استهلاكها المحلي اليومي الذي هو بحدود 773 ألف برميل يومياً، وهي تفضل النفط الإيراني وتبحث عن النفط بأقل الأسعار الممكنة.
علماً إن أماكن النفط المتوقعة في تركيا قريبة من الحدود العراقية والسورية!
6-تهريب النفط:
يسيطر تنظيم داعش حالياً على عدد كبير من الآبار في العراق وسوريا، كما إنه استولى على عدد من المعدات من بعض الحقول ودخل –بحسب خبراء- مرحلة الانتاج والتصدير عبر مهربين ووسطاء من تركيا، تقول روسيا إن للحكومة التركية-بل لعائلة أردوغان ولأبنه بالذات- يد فيها.حجم ما ينتجه داعش وبكم يبيع وكم يستفاد محل جدل وتخمينات، فبالنسبة للإنتاج تتراوح ما
بين 30 إلى 200 ألف برميل يومياً، وبأسعار تتراوح ما بين 10إلى 34 دولار للبرميل وإن كان الأرجح إن سعره لا يتجاوز الـ 18 دولار، وبفائدة تصل ما بين 1,2 إلى 4 مليون دولار يومياً.
وتعد هذه الأموال حالياً المصدر الرئيس لتمويل داعش!
وقد فشل التحالف الدولي-بحسب صحيفة “فايننشال تايمز″ البريطانية – في عرقلة تهريب النفط من قبل داعش والذي يتم في الغالب عبر صهاريج عبر تركيا، في حين تمكن الروس من عرقلة ذلك بشكل واضح!
وتشير بعض المصادر إلى أن داعش ينقب عن النفط عبر فريق من الخبراء! وإنه يهرب النفط عبر شاحنات يصل عددها إلى أكثر من 1200 شاحنة من مدينة نينوى في العراق عبر مدينة زاخو الواقعة ضمن حدود إقليم كردستان, إلى تركيا وتحديداً بلدة (سلوب) التركية حيث يتم بيعه في مزاد يومي!
بحسب ما استعرضناه فإن خيارات المواجهة الاقتصادية مع تركيا يمكن أن تكون:
1-مقاطعة السلع الداخلة في المشاريع كمرحلة أولى، ثم بعد توفير البدائل الاستيرادية دون تأثير على أسعار المواد في السوق يمكن أن تتم مقاطعة المنتجات التركية كافة وبهذا نحرم تركيا من إيرادات تصل لـ 13 مليار دولار بهذه الخطوة فقط.
2-منع الشركات التركية من العمل في العراق-خاصة في كردستان وإن كان هذا صعب- وبهذا نحرم تركيا من إيرادات كبيرة لموازنتها ومن الدخول لأسواق الشرق الأوسط عبر العراق، مع أخذ الوضع الاقتصادي للبلد وحسم الاعمال الجارية بما يخدم البلد بنظر الاعتبار.
3-توجيه رجال الأعمال-عبر التفاهم أو عبر ادوات ضغط- العراقيين من إنهاء اعمالهم في تركيا والبحث عن بدائل وإن كان توفير بيئة ملائمة لهم في العراق مع حوافز تشجيعية هو الأفضل أكيداً.
4-أيقاف السياحة من وإلى تركيا كلياً، وبذلك نحرم تركيا من إيرادات قد تصل لمليار دولار سنوياً فضلاً عن التأثير الإعلامي والذي قد يبرك سياحتها كثيراً، خاصة إذا تزامن ذلك مع الجهد الروسي بهذا الاتجاه. ويمكن أن تكون جورجيا وبعض بلدان أوربا الشرقية وإيران بديل مناسب عن تركيا كوجهة سياحية للعراقيين.
5-أيقاف تصدير النفط عبر تركيا كلياً، وبذلك نحرم تركيا من الاستفادة من خطوط نقل النفط لديها بنسبة تتجاوز الربع، مع تكثيف الجهود لمنع المناورة من قبل كردستان بشأن هذا الموضوع.
6-دعم الجهد الروسي العسكري وتحويل مركز المعلومات الرباعي إلى حلف لمواجهة داعش، وبذلك يمكن توجيه ضربات موجعة-وربما شل تام- لتهريب النفط من قبل داعش عبر تركيا وبذلك نحرم تركيا من الاستفادة من هذا النفط.
7-يمكن أن تتم النقطتان (5 ) و6) ) بالتنسيق مع الجانب الروسي والإيراني في مجال التصدير والنقل للنفط والغاز وبذلك يتم توجيه ضربة قاسية جداً للاقتصاد التركي تجبر تركيا على إعادة النظر في تصرفاتها.
مقالات اخرى للكاتب