لمعظم الظرفاء جانبهم المأساوي. والتراجيديا تختلط دائما بالكوميديا. هذا على الأقل مما تعلّمناه من شكسبير. وهذا ما أتلمّسه في شخصية الدكتور محجوب ثابت، كما لمّحت له في مقالتي السابقة. الحركة الوطنية، بل قل كل حركة سياسية، مثل اليانصيب؛ فيها من يخرج بالمغنم، وفيها ما لا ينتهي بغير المغرم. وكان الدكتور محجوب من الفصيلة الثانية. ومأساته كانت علو تطلعاته وسموّها. تطلع لمنصب وزاري ولم يحظَ به. كان قميئا ودميم المظهر ووضيع المنبت، ولكنه تطلّع لزوجة فائقة الجمال كثيرة المال عظيمة الجاه؛ فعاش ومات في العزوبة.
استضافه يوما سعد زغلول في مصيفه مع شلّة من الأدباء كان بينهم حافظ إبراهيم، فانطلق الدكتور يروي لهم قصة حلم رآه في الليلة السابقة. سأله سعد أن يحدثهم عنه، فقال: رأيت نفسي راكبا جملا كبيرا ومن خلفه عدد كبير من الحمير، ثم رأيت رجلا يقصدني ويسلمني رسالة من شخصية مهمة. فنظر سعد إلى حافظ وسأله أن يفسّر الحلم. فقال الشاعر: الجمل الكبير الذي كان يركبه هو كرسي مجلس النواب. والرسالة تتضمن تكليفا بإسناد وزارة الصحة له. وأما الحمير فهم الناخبون الذين انتخبوه نائبا في المجلس!
الغريب أنه لم تظهر في الحلم المرأة الحسناء التي كان يصبو إليها. والظاهر تماما أنه كان يفضل الوزارة على المرأة. ولربما كانت طريقته في لفظ حرف القاف قد استهجنتها سائر الفتيات المصريات. وهو ما عبّر عنه الشاعر حافظ إبراهيم بالنيابة عنهن حين قال:
يرغي ويزبد بالقافات تحسبها
قصف المدافع في أفق البساتين
من كل قافٍ كأن الله صوّرها
من مارج النار تصوير الشياطين
قد خصّه الله بالقافات يعلكها
واختص سبحانه بالكاف والنون
يغيب عنه الحجا حينا ويحضره
حينا فيخلط مختلا بموزون
لا يأمن السامع المسكين وثبته
من كردفان إلى أعلى فلسطين
بينا تراه ينادي الناس في حلب
إذا به يتحدّى القوم في الصين
ولم يكُ ذاك عن طيش ولا خبل
لكنها عبقريات الأساطين
* ثم يعرّج الشاعر إلى تطلعات الدكتور وأحلامه الأرجوانية اليتيمة فيصفها ويقول:
يبيت ينهج أحلاما مذهبة
تغني تفاسيرها عن ابن سيرين
طورا وزيرا مشاعا في وزارته
يصرف الأمر في كل الدواوين
وتارة زوج عطبول خدلّجة
حسناء تملك آلاف الفدادين
يعفى من المهر إكراما للحيته
وما أظلته من دنيا ومن دين
مقالات اخرى للكاتب