كتبت أثناء زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي منتصف العام الماضي وبيان سفارة بلاده في بغداد حولها ، الذي لخص الزيارة بدعوتنا كما جاء في نصه إلى " دعم إستمرارية التنمية في العراق كشريك إستراتيجي يساهم في السلام والأمن كقائد في المنطقة " مقالاً بعنوان " ماذا تنتظرون ؟ " خاطبت فيه ساسة البلاد في عهدها الجديد للإنخراط في مشروع أمريكي في المنطقة بعيداً عن مزايدات الوطنية خاصة وهيَ تغلي فوق وتحت صفيح ساخن ، أبتليت بشد طائفي كبير قد يحصدنا إذا ما أحسنا إستثمار فرصنا المتاحة الآن والمعدومة بعد حين ، تكاثرت أخطاءنا بعدها أكثر وتراجع الدور الأمريكي في العراق ، ولم يجعلنا الرئيس أوباما في جدول زيارته الأخيرة للمنطقة أو حتى إهتماماته .
هنا أتوجه برسالة وما أكثر رسائلي لشيعة السلطة بالتحديد ، قبل أن تصاب مغانمهم المتحصل عليها جراء فعل الولايات المتحدة في بلادهم من إسقاط نظام شمولي بنكسة وتتحطم ، بالعمل على خطاب يتوجهون به لقوة عظمى ، يوضح رغبة صادقة في دعم مشروعها الشرق أوسطي للدمقرطة بفوضاه الخلاقة أوعدمها ، لا أن يركنوا لذريعة إستقلالية القرار السياسي وهذا حق لهم ، لكن ليس في مناخ دولي يجعل من دولٍ بعينها " مارقة " متهمون بدعمها وآيلة للسقوط ، تبطش بشعوبها ذات القبظات التي كانت مدعاة توسلاتنا بخلق الله جميعاً ملائكة وشياطين لإنقاذنا مما كنا فيه من كبت حليف لنا ، أو التحجج بقادم بائس لتلك الشعوب نتيجة صعود تيارات متطرفة قد تتسيد مشهدها السياسي ، فهذا شأن داخلي لها ، ووحدها هيَ حق تقرير من تختار للحكم أو تزيل .
نعم بالتأكيد الحراك السوري بالتحديد في ربيع ، خريف المنطقة مؤثر في الداخل العراقي ، لكن أن تكون في محور دولي أفضل لك من ذلك " المارق " الهارب للإمام دوماً ، بحثاً عن فرصة تبقيه في سدة الحكم أطول من تلك المقدرة له ، والأسد الإبن في أفضل حلاته إن لم يسقط بفعل داخلي أو إرادة دولية معزول تتقاذفه أمواج عقوبات حتى ينهار .
خطاب شيعي عراقي يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ، وقاريء جيد لطبيعة العلاقات الدولية ، خطاب لديمقراطية ناشئة تسهم في شيوع مفاهيم جديدة لم يألفها إقليم " شرق أوسطي " موبوء بالديكتاتوريات والقبليات الحاكمة ، يجعل من المصلحة وحدها عنوانه لبلد أنهكته سياسات رعناء سابقة وقادته لعزلة دولية عقدين من الزمن ، لايمكن لنا الآن إعادة صناعتها ، بقداسات طائفية بعد أن أختزل التمثيل السياسي لشيعة العراق بتيارات الإسلام السياسي فيه ، وأبعد الليبراليون عنه لضعف خطابهم تارة وجهل الناس بمشروعهم أخرى ، إن لم ينخرط البعض منهم كما الكثير من نخبه العربية في ذات المشروع الطائفي .
أعلم إن الأمر برمته معقد ، تتنازعنا فيه مواقف دولة هنا متهمة بتمويل إرهاب وأخرى تمذهبت بما نحن عليه ، تستميت دفاعاً عن مشروعها " القومي " لا الطائفي وإلا لأعتبرنا حماس الإخوانية " إثنا عشرية " والقاعدة وما فُرخ عنها " طالبان " وغيرها متى ماتوافقت مصالحها معها راعية لشيعة البلدان التي تنشط فيها ، وقطار أمريكي سريع لن يتوقف عندنا لنصعد إليه إلا بإشارة منا أو موقف ، والآخر يهم بالركوب فإفسحوا له المجال ، وإبحثوا بعدها عن مظلومية ومحرر جديد .
مقالات اخرى للكاتب