أمس ضرب إيران زلزال قوي.
مؤلمة كوارث الطبيعة لأن حيلة الإنسان إزاءها معدومة. أي شيء يمكن أن يفعله الإنسان أمام غضب لا راد له؟ ليس إلا لملمة الأنقاض بعد أن ينتهي كل شيء وإحصاء الخسائر، والبدء من جديد انتظارا لجنون طبيعي آخر.
من حسن حظ العراقيين، ان نصيبنا من هياج الطبيعة وخبالها الحر والغبار فقط. قبل أيام حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن 360 عاصفة ترابية بانتظار العراق هذه السنة.
إذا ابتعدت عنا الزلازل والهزات فالغبار يمكن تحمله، لكني أمس قرأت أن حكومتنا اتفقت مع إيران قبل أيام على خطة لمكافحة الغبار، لا أعرف كيف، كما لا أعرف حكمة اختيار إيران، ربما لأنها الدولة الوحيدة المحيطة بنا غير المغبرّة، وربما لأن الدول ذات العواصف الغبارية لسنا في وفاق معها، غير ان المبلغ المعطى لإيران "مليار دولار" استوقفني كثيرا.
مليار دولار لمكافحة الغبار مبلغ كثير على ما أظن، وإعطاؤه لإيران يستدعي التفكير مليا، فإذا عرفنا أن كوارث بيئية كثيرة في العراق كان سببها إيران دون سواها، بلغ الاستغراب مرحلة الدهشة، وأمس فقط قال مستشار محافظ ديالى للشؤون الاقتصادية راسم العكيدي ان إيران تقف وراء 90 % من مسببات ظاهرة التصحر في ديالى، بعدما عمدت إلى قطع بعض الأنهر وتقليل واردات روافد نهر ديالى، مما أدى إلى بروز ظاهرة التصحر والتهامها لأكثر من 20 % من أراضي المحافظة".
هذا مثال لما يمكن أن تفعله إيران ببيئة العراق، ومع ذلك فلديهم الآن مليار دولار لمنع الغبار عنا، وهو يظل مبلغا هائلا لمهمة لن تتحقق، وحتى لو كلفت الجمهورية الإسلامية آلاف الحجاج والمعتمرين بالدعاء عند الكعبة المكرمة والتضرع في مقامات الأولياء لتجنيب العراق العواصف الترابية ومنحتهم مكافآت لقاء دعائهم، فسيبقى من المليار كثير. راح المليار كما راحت مليارات، وظل الغبار، وظلت الزلازل لأن الطبيعة لا تُرشى، وهي مصممة لأن تكون قاسية أحيانا، هي كاملة معنا أو بدوننا، كاملة بصفائها ووحشيتها، وأمس جنّ جنونها على فقراء ومساكين في إيران، للقتلى الرحمة وللمصابين الشفاء. مع ذلك تهامس أشخاص مصابون بارتياب المؤامرة ان ما حدث لم يكن زلزالا بل تجربة نووية قامت بها جارتنا، الأمر صعب التصديق طبعا، وإيران تقع على منطقة زلازل كما هو معروف، لكن الخائفين من إيران "وفي مقدمتهم الخليجيون" خائفون من إيران النووية لا من إيران الطبيعية، زلزال إيراني قد يهز المباني في دبي وأبو ظبي والكويت "الحمد لله لا مباني عالية في البصرة لتهتز" لكن الزلزال النووي سيهز العالم كله، سيسقط عالم قديم وتحل مكانه أنقاض، سنكون محظوظين لو بقي أحد يزيلها ويحصي الجثث. كم يبدو الإنسان همجيا حين يريد أن يقلّد الطبيعة خالقا زلازل يصرع بها نفسه.
لكن.. مليار دولار لمكافحة الغبار مبلغ كبير أليس كذلك؟
مقالات اخرى للكاتب