لا شك أن الأداء الحكومي ضعيف ومتخبط، وهذا ما تقره "المجموعة" الحاكمة نفسها، ولكن ووفقا لمعايير العمل السياسي التي تلقي ظلالها دوما على الأداء الحكومي، فإن الأمر يبدو طبيعيا لأننا نعيش ما يصح أن نطلق عليه حمى تغوّل الشعب على السلطة، بعد سنوات طويلة من تغوّل السلطة على الشعب..!
ولا يبدو هذا الطرح مخرجا مناسبا، تعفى بموجبه السلطة الحاكمة من مسؤوليتها في تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي نعيشها..لأن المشكل يكمن بنيويا في جسد السلطة، وأعني بالسلطة هنا الدولة بكل عناصرها التنفيذية والتشريعية والقضائية، أقول أن هذا المشكل يمكن تفكيكه والخروج من المآزق العديدة التي سببها بإعادة النظر بالأسس التي قام عليه بنائنا السياسي وهيكلية الدولة منذ نيسان 2003..
والحقيقة أن معظم عناصر البنية الحاكمة غير صالحة، ليس لأنها غير صالحة بذاتها، لكنها تبدو غير صالحة بسبب عدم وجود "تصميم" لنظام حكم خادم ..
فالنظام الذي تسير به الدولة ـ السلطة، غير النظام الذي تسير به الدولة الخادمة، وهدف "السلطة" غير هدف "الخدمة".. ومكونات دولة الخدمة تختلف إختلافا جذريا عن مكونات "دولة السلطة".. وتجربتنا السياسية في الحكم منذ نيسان 2003 قدمت لنا نموذج "دولة السلطة"، التي وللأسف لم يجمع بين مكوناتها أي شكل من أشكال الفكر أو البرامج، بل ما جمع بينها هو اقتسام كعكة السلطة لا غير، والدليل أن ما يحصل اليوم وقبله من أزمات متتالية في العديد من القضايا لم يكن قد تسبب به إختلاف على عقيدة أو فكر أو برامج ، بل أن معظم الأسباب تكمن في تجاوزات مكونات "دولة السلطة" على بعضها البعض..
ونستطيع القول أن "دولة السلطة" ليست هي "الدولة الهدف" التي يبغيها شعبنا، كما أن "هدف السلطة" غير "سلطة الهدف" ..هدفنا أن نبني "دولة" تكون "السلطة" فيها للبرامج والأهداف، وأن تكون لدينا برامج وخطط وتصاميم تماما مثل تلك التي يهندسها المهندسون المعماريون..!
إذ وبعد أن يدرسوا متطلبات المنشأ ورغبات رب العمل، يقرأون أفكاره والمؤثرات المحيطة والمحددات الاجتماعية والبيئية، والاستجابة للتعقيدات التي تحيط بهم، فيضعون"وثائق" المشروع بدءا برؤية متكاملة للمشروع وجدواه، ومن ثم يشرعون بوضع المخطط العام مرورا بتفاصيل الواجهات والمقاطع، ويتركون التفاصيل المدنية والميكانيكية والكهربائية والاتصالات لغيرهم من المهندسين وكل حسب تخصصه، فيما يبقون هم ممسكين بالرؤية والمخطط العام، يحرصون على تنفيذهما وفقا لتلك الرؤية، مع سماح بتغييرات لا تتعدى 5% من المخططات الأصلية ووفقا لمتطلبات سير المشروع...
كلام قبل السلام: فيما معظم ما قدمته السياسة للبشرية كان شيئا ضارا، لم يحصل أن قدمت لنا الهندسة شيئا غير مفيد منذ أول لبنة في التاريخ...!
سلام...
مقالات اخرى للكاتب