مر اسبوع على سقوط الموصل ولم يعلن اي مسؤول حكومي عن اسباب انهيار الجيش في محافظات نينوى، صلاح الدين، كركوك والانبار. ولم يظهر ناطق رسمي يوضح للعراقيين، كما هو الحال في البلدان الديمقراطية، حقيقة الموقف ولو باقتضاب لما يحدث في الشمال.
هذا الفراغ الاعلامي ترك الحبل على الغارب لسوق التصريحات غير المسؤولة، والشائعات، والتكهنات، والاخطر من ذلك كله، لتصفية الحسابات بين القوى السياسية المتصارعة، مما اسهم في ما يمكن وصفه بأنه اكبر عملية تضليل للمواطن العراقي، اخبار ملفقة تختلط بتحليلات مغرضة، على تكهنات وحذلقة، تحاول بغالبيتها حرف اذهان البساطاء وكسب المزيد من المناصرين المغلوب على امرهم، سواء من جانب حلفاء داعش، او الطرف الحكومي.
وما اغزر محللينا هذه الايام، وما اكثر سياسيينا، وما اسلط برلمانيينا، العطشى للتصريحات الرنانة والعدوانية التي لم يجني منها العراق سوى تعميق شروخ الطائفية، وتراكم الاحقاد، وصولا الى هذا الانحدار الامني الاخير، والذي توج بسقوط الموصل.
ولعل اوسع الاراء شيوعا هذه الاسبوع هو تعليل الهزيمة لـ "اتفاق بين النجيفي والبارزاني"، فقد اتفقا على استيراد مقاتلي داعش الى العراق من اجل الضغط على السيد المالكي ومنع توليه الوزارة للمرة الثالثة.
القنوات الاعلامية غير الرسمية تنشر هذا الرأي بتكرار عن طريق الفضائيات والمواقع الاكترونية، وفصيل كُتّاب الحكومة الذين بدأت ادارة السيد المالكي باستمالتهم و"تجنيدهم" للجهاد الاعلامي في السنوات الثلاث الماضية.
والسيناريو هو ان مسعود البارزاني واثيل النجيفي قد اتفقا على استقدام تنظيمات داعش لاحتلال الموصل، وفق مخطط يصفونه بانه خياني للعراق. يقوم من خلاله النجيفي بترك الموصل لداعش ودخول البارزاني الى كركوك، والجيش العراقي بالانسحاب، تقوم امريكا بدورها، باتخاذ الصمت، وتركيا بالغاء مصالحها في المنطقة، وايران تمتنع عن التدخل... وكل تفاصيل هذا السيناريو الغريب هي من هندسة الخائن مسعود البارزاني، ردا على قرار المالكي بقطع رواتب الموظفين في الاقليم!
ولا ادري اذا كان عليّ ان اصدق هذا الزعم ام لا؟ هل علي ان اقتنع بأن السيد اثيل النجيفي، جاء بمقاتلي داعش من اجل ان يفر من المدينة يفقد منصب المحافظ، ويضع مصيره ومستقبله السياسي على كف عفريت، اي ان النجيفي قد تامر على نفسه!؟ وهذا ما لا استطيع هضمه.
وان تركيا التي استخدمت كل ثقلها بالضد من انضمام كركوك الى اقليم كردستان، طيلة السنوات العشر الاخيرة، انصاعت فجأة لاوامر البارزاني، مضحية بمصالحها الحيوية في المنطقة، اي ان تركيا قد تامرت على نفسها هي الاخرى!؟
وان امريكا التي رفضت ضم الاقليم لمدينة كركوك لكونها تمتلك ثروة نفطية هائلة، يراد لها ان تكون بعيدة عن اية سلطة، لا في المركز، ولا في الاقليم، قد تنازلت عن مصالحها، وخضعت لمشروع البارزاني، وتامرت على نفسها ايضا!؟
والاكثر من ذلك ان الجيش العراقي، بقادته الثلاث، الفريق الركن علي غيدان، القائد العام للقوات البرية، والفريق الركن عبود كنبر، قائد قوات العمليات المشتركة، واللواء مهدي صبيح الغراوي، القائد العام للشرطة الاتحادية، الذين كانوا في الموصل وفرّوا منها ساعة دخول قوات داعش، بالاضافة للمزيد من كبار الضباط معهم، قد ضحوا بمناصبهم جميعا، ووافقوا على فعل عمل قد يقودهم للمسائلة والاعدام بتهمة الخيانة، انما فعلوا ذلك انصياعا للسيد البارزاني، اي انهم تامروا على انفسهم ايضا.
بل ان افراد الجيش العراقي الثلاثين الف في المحافظة، بالاضافة الى 50 الف من منتسبي الشرطة، الذين اضطروا للهرب من المدينة بصورة مهينة اثر دخول داعش، انما هم كانوا ينفذون خطة البارزاني التامرية، اي انهم تأمروا على انفسهم!؟
كل هذا والحكومة نائمة "في العسل"، والسيد المالكي الذي يجمع المناصب التالية: "رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع، وزير الداخلية، وزير الامن الوطني، والرئيس المباشر لجهاز المخابرات"، لم يسمع وقع اقدام، وسط هذه الضجة، وتفاجأ مثلنا بالخبر!؟
وفوق هذا يريد اصحاب هذا الرأي، من النواب المنتخبين ان يجددوا الولاية للسيد المالكي ليبقى 12 سنة في راس السلطة في العراق، وما عدى هذا يعد خيانة.
هذا يعني، حسب سيناريو هؤلاء السادة، ان السيد البارزاني استطاع خلال اسابيع ان يفرض ارادته بمثل هذه القوة، على محافظ نينوى، وقادة الجيش، وتركيا وامريكا، والعالم الذي يحارب الارهاب، فرض عليهم ان يذلوا انفسهم جميعا، ان يتنازلوا عن مصالحهم، من اجل ان تستعيد كردستان مدينة كركوك.
وهنا يجد المرء نفسه امام مفترق، فاما ان اصحاب هذا الرأي مغالطون مغرضون يحاولون تبرير الهزيمة وابعاد المسؤولية عن كاهل السيد المالكي. وعدم ذكر الاسباب الحقيقية للفشل. وبالنتيجة هي جزء من محاولة غير بريئة للتلاعب باذهان البسطاء نحو تصفية حسابات سياسية. واما ان كردستان، برئاسة البارزاني، قد تحولت الى دولة عظمى في المنطقة!؟
مقالات اخرى للكاتب