ابرز ثلاثة سياسيين اسرائيليين تسابقوا خلال اسبوع واحد لاظهار تأييدهم للدولة الكردية المرتقبة، وكأنهم يحاولون ردم "منخفض سياسي" حدث على حين غرة في اجواء الشرق الاوسط، بعد ان اعلنت قيادات سياسية كردستانية نيتها اعلان "استقلال كردستان" في الاشهر القليلة القادمة.
الاول هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي فاجأ الجميع في كلمة له في جامعة تل ابيب اواخر حزيران الماضي، بحجة ان دولة كردية في المنطقة ستكون قادرة على هزيمة ارهاب داعش.
والثاني كان افيغدور ليبرمان، وزير الخارجية، الذي حض نظيره الامريكي جون كيري، اثناء اللقاء الذي جمعهما في باريس على دعم استقلال الدولة الكردية.
اما الثالث فكان الرئيس الاسرائيلي، المنتهية ولايته، شمعون بيريز، اثناء لقائه الرئيس اوباما في البيت الابيض، قال ان على الولايات المتحدة دعم الاستقلال الكردستاني من اجل فتح مجال لتصدير نفط كردستان بحرية.
ولا يخفى ان السياسيين الاسرائيليين يتمتعون بدرجة من الذكاء تجعلهم يترفعون عن ابراز مشاعرهم في التصريحات الاعلامية، ويدركون خطورتها وتداعياتها على الاعلام العربي، فخطواتهم المهمة تحاط بالسرية دائما، فلماذا يبرزون اعلاميا هذا الموقف المنحاز في العلن؟
والمتتبع لسياسة الاسرائيليين تجاه قضية الشعب الكردي يستطيع ان يلحظ الموقف الاسرائيلي الرافض لاستقلال كردستان في اي جزء من اجزائه الاربعة. ولعل ابرزها موقفهم الشاخص في اعتقال عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، في كينيا وتسليمه الى الاتراك في شباط 1999. وقبلها في دفع الشاه الايراني الى ضرب الحركة التحررية الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني في العام 1974، وانهاء وجودها العسكري.
ولابد ان يلحظ ان الصحافة الاسرائيلية غالبا ما تنشر تقارير "تاريخية" عن علاقة بعض السياسيين الكورد باسرائيل، وزيارات سرية لبعض عناصر الموساد الى كردستان في اعوام السبعينات والستينات من القرن الماضي.
والسياسيون في اسرائيل ليسوا على درجة من الغباء لكي يجهلوا وقع هذه التصريحات والاخبار على العلاقة بين العرب والكرد، ومدى العزلة السياسية التي يحيطون بها الثورة الكردية عن محيطها الاقليمي، وانهم يوفرون ذريعة مستساغة للحكومات المتعاقبة لضرب الحركة الكردية فضلا عن الغطاء الاخلاقي للبطش بالقرى الكردية بحجة التعاون مع اسرائيل.
ساسة تل ابيب يدركون اذا ان تصريحاتهم هذه سوف تنعكس بالسلب على الكرد، وتعيق تحقيق حلمهم بالاستقلال، وتقوي حجة الدول الاقليمية، والاحزاب الحاكمة في العراق، المناهضة لطموحاتهم الطبيعية بالوصول الى تحقيق الدولة الناجزة الاستقلال اسوة ببقية الشعوب في المنطقة والعالم.
ولعل اولى هذه الانعكاسات ظهرت في تصريحات مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية، حسين امير عبداللهيان الذي صرح للصحافة، ردا على تصريح نتنياهو، بان ايران "لن تسمح بتحقيق احلام نتنياهو في المنطقة"، وان "استقلال كردستان هو مخطط صهيوني". وشدد على ان ايران جاهزة لتزويد العراق بالاسلحة اللازمة لمحاربة الاكراد.
اي ان اسرائيل تعارض في السر قيام دولة كردية، ولكنها تدعمها بتصريحات اعلامية في العلن! لماذا؟
المشكلة الكردية في العراق هي على الدوام نقطة ضعف الدولة العراقية، واحد ابرز الاسباب في اشغال العراق داخليا، سواء عن طريق حروب عسكرية، او استنزاف الدولة العراقية بالصراعات الجانبية التي تعيق نمو البلد وتوقف مشروع بناء الدولة المتجانسة القوية.
واستقلال كردستان يعني في ما يعنيه، تخلص العراق من اهم مشاكله الداخلية، ويرمي عن كاهله اكبر الاثقال، ويزيل ابرز عقبة عن طريق بنائه الداخلي، وهذا ما يؤهل العراق للعب دور اقليمي فاعل ومؤثر سوف ينعكس، وبصورة مباشرة، سلبيا على سطوة اسرائيل في المنطقة.
كما ان استقلال كردستان من العراق يؤسس الى ثقافة الحريات القومية في الشرق الاوسط، ودفع الدول المجاورة، التي تعاني من نفس الامراض الديموغرافية الى التحرر من عقدها، وتأسيس شرق اوسط اكثر سلما، وهذا بالضبط ما تخشاه اسرائيل، وتحاول تفادي حدوثه مستقبلا.
اسرائيل غير جادة اذا في مساندة استقلال كردستان، او اي دولة اخرى في المنطقة، بل تعارضه، وهذه التصريحات التي اطلقها السياسيون في تل ابيب لا تعدوا ان تكون جزءا من سياستهم الرامية الى ابقاء الدول العربية المحيطة، خصوصا التي تتمتع بعمق بشري وحضاري، مثل العراق، على هذه الحالة من السقم الاجتماعي.
مقالات اخرى للكاتب