القوانين تأتي لتنظم العلاقة بين البشر، تبين حدود الممنوع، ترسم علامات الطريق للمجتمع. البشر تنقلوا عبر البحار في سفنهم للتجارة أو الصيد أو الغزو، قبل أن توضع قوانين البحار وحركة الملاحة، وحين تزايد خطر عصابات المخدرات وتجاوزت الحدود المحلية، أتت التشريعات والاتفاقيات الدولية الملزمة لمكافحة المخدرات وعصاباتها عالميا.
حركة التحويلات المالية، والطيران، والتلوث البيئي، كلها مستحدثات على البشر، تطلبت تنظيمًا وتشريعًا وقانونًا دوليًا.
نحن منذ زهاء عقدين، نشهد مستحدثًا جديدًا على حياة البشر، لا يكاد يخرج مجال من مجالات الحياة عن سيطرته والاحتياج إليه، وهو الإنترنت، أكبر قفزة بشرية في مجال الاتصالات والتواصل.
في السنوات الأخيرة هيمن على استخدامات الإنترنت - التي منها البريد وتنظيم عمل الخدمات الحكومية والتجارية - هيمن عليها تطبيقات التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا». مع هذه الظاهرة ولدت سلوكيات جديدة، مربكة للتشريعات القديمة، وتعتبر بلغة الفقهاء المسلمين الأوائل «نازلة» فقهية.
كيف يتم تنظيم هذا التشابك البشري اليومي بل قل على مدار الثانية، ومن يرسم الحدود والمعالم؟
لنتأمل هذا المثال، قبل أيام جاء في الأخبار أن نجمة برامج الواقع والإثارة، الأميركية «كيم كاردشيان» موضع جدل في الإعلام الأميركي، هذه المرة ليس بسبب الفضائح، وثرثرات العائلة، بل بسبب إعلانها في حسابها الشخصي على «إنستغرام» عن دواء يعالج غثيان الحوامل، دون إذن من السلطات المعنية، خارقة قوانين وكالة الغذاء والدواء الأميركية.
شركة الدواء التي أعلنت نجمة الإثارة عن منتجها وأنها شخصيًا استفادت منه، تدفع مالاً لكاردشيان لقاء مثل هذه التعليقات. فعدد متابعيها على «إنستغرام» أكثر من 42 مليون شخص. وكالة الأغذية والأدوية طالبت الشركة بمحو الإعلان، لأنه أخفق في توضيح المخاطر المتعلقة بالدواء.
استغلال المشاهير لترويج منتجات معينة بمواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة عالمية، وهناك من يتقاضى أموالاً طائلة على سطر أو أقل، أو صورة، لصالح المستفيد. يقول الخبر إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلانية - خاصة للأدوية - ظاهرة جديدة، والقوانين تحاول أن تواكبَ هذه التطورات. ما هو الحقيقي والمزيف في هذا العالم الشاسع المتشابك؟ من هو الصادق ومن هو المروج لفائدته الشخصية فقط؟
هل صار الزيف هو قانون هذا العالم الافتراضي؟ ومتى يستطيع المشرعون، والعالم كله، اللحاق بهذا اللهاث؟
وصل الهوس للصحة الجسدية، كما وصل من قبل للصحة النفسية.
الأخطر أن هذا العالم الافتراضي بدأ يفرض قيمه على العالم الحقيقي، ومنه الإعلام الذي صار شيئًا فشيئًا، في أغلبه، يحاول التماهي مع هذا العالم السطحي والزائف.. عالم كيم كاردشيان.
مقالات اخرى للكاتب