مما لاشك فيه ان الارهاب المتمثل بداعش والتنظيمات الارهابية المرتبطة به قد شكل خطراً جسيماً على الامن والاستقرار العالمي نتيجة المتبنيات الفكرية والعقائدية الشاذة التي يحملها هذا التنظيم المتطرف.
ورغم الدعوات الكثيرة التي انطلقت من عدة جهات رسمية وشبه رسمية ومنظمات عالمية وإقليمية حذرت فيها من خطر تنامي هذا التنظيم وتقويه مفاصله وتمدداته إلا ان العالم الغربي وبعض الدول الاقليمية والعربية كانت تنظر للأمر من زاوية احادية الجانب اساسها الحسابات الخاطئة المبنية على عدة عقد اهمها الطائفية وتعديل ميزان القوى وإيقاف نمو القوة الايرانية في جميع المجالات وجميعها كانت حسابات بعيدة النظر عن الأفعال الارتدادية لداعش عندما يتحول ذلك التنظيم باتجاه الدول الداعمة والممولة له.
ولعل ما حدث في العراق منذ سقوط الموصل وتمدد الدواعش في عدة مدن شمال وغرب العراق ومحاولتها السيطرة على بعض منابع النفط واتخاذه وسيلة للتموين والاستمرار في تثبيت وجودة يضاف اليها اساليبه القمعية والوحشية تجاه الاقليات جعلت تلك الدول تشعر بان ما زرعته قد فسد وحان وقت اتلافه.
ولذالك سارعت الى عقد تحالف دولي واسع اشبه بتحالفها ايام حرب الخليج ضد الطاغية صدام مع اختلاف المبررات.
وهنا يطرح سؤلاً مهما نفسه لماذا لم تقم تلك الدول بهذا المؤتمر وتحشد للتحالف ضد الدواعش منذ بداية ظهوره وقبل توسعه ؟.
ورغم ان الاجابة على هذا السؤال يدخلنا في دراماتيكية الاحداث وتسلسلاتها إلا اننا يمكن ان نختزل الاجابة بما يلي
اولاً:ان تنظيم القاعدة هو صناعة امريكية بامتياز
ثانياً:تم استخدام هذا التنظيم وتوسعته بإشراف مخابرات دولية وإسرائيلية وعربية
ثالثاً:تم استخدام هذا التنظيم لتنفيذ الخارطة الجديدة للشرق الاوسط اعتماداً على نظرية وزير الخارجية الامريكية هنري كيسنجر الذي رسمها في الستينات و السبعينات
رابعاً:لعب هذا التنظيم دوراً اساسيا فيما سمي بـــ (الربيع العربي) وكان المحرك الاساسي للحركات والمنظمات ذات التوجهات الانفلاتية .
خامساً:شكل هذا التنظيم وجوداً لصراع باتجاه اخر فبدل ان يكون الصراع عربي - اسرائيلي اصبح الصراع سني- شيعي ثم سيتحول الى شيعي –شيعي وسني- سني لتمزيق وتفتيت الدول العربية .
ولكن يبقى السؤال الاهم وهو اذا كان كل ذلك يحققه التنظيم للدول التي أنشأته فلماذا تتم محاربة الان تحديدا ؟
وهل هنالك جدية في محاربته ؟
وللجواب نقول يبدو من سير الاحداث ان هذا التنظيم قد خرج عن الخطوط الحمراء التي وضعت له وأصبح قوة أنفلاتية غوغائية يطمح لتحقيق اهداف غير التي رسمت له .
كما يبدو ان هذا التنظيم قد اراد العبث بأهم الحرمات وهو مصادر الطاقة وبالذات النفط وهو ما يفسد جميع المخططات للدول التي اوجدته. فما ان تتاح له فرصة السيطرة على منابع الطاقة حتى لا يترد في استغلالها لتحقيق منافع ليست ذات صله بما كلف به من ادوار.
ناهيك عن فرضه الاتاوات على حكومات صديقة للدول التي اوجدته ، بالإضافة الى ردة الفعل القوية من قبل الشعوب العربية تجاه هذا التنظيم المنبوذ وهو ما يعني ان مصداقية امريكا وحلفائها اصبحت على المحك بل انها انهارت فعلاً .
ولذالك سارعت تلك الدول الى ترميم مصداقيتها وإعادة رسم صورة جميله لها في ذهن المواطن العربي باعتبارها دول داعمة ومساندة للسلم والأمن الدولي وأكثر الداعين والمطالبين بالحرية والديمقراطية .
والشيء الاهم من كل هذا ان تلك الدول بدأت تشعر فعلاً ان خطر الدواعش بات يقف على ابوابها وانه سيدخلها شاءت ام أبت ويغير خارطة دولها ويجعلها تفقد قوتها وهيبتها ويفرض عليها ما تخشاه من افكار وتوجهات بعيدة كل البعد عن اخلاق وأخلاقيات شعوبها .
وهو ما يؤكد ان اغلب الدول المجتمعة في باريس قد شعرت مؤخرا ان الفعل الارتدادي للدواعش اتجاهها قد بدأ فعلاً، وعليها ايقاف ذلك الفعل دون ان تعلنه انطلاقا من العجرفة والتعالي التي تتمتع به وإنما تظهره وكأنه دفاع عن شعوب اخرى كالعراق وسورية ودول عربيه اخرى.
وهذا يجافي الحقيقة التي فحواها ان تلك الدول تعي تماما انها لا يمكن لها ان تحارب الدواعش على اراضيها بل تستطيع فعل ذلك في بلدان اخرى لانها لا تتحمل حجم الدمار الذي ستخلفه لو حاربت الدواعش على اراضيها.
في حين تجد ان كثرة الدمار الذي ستلحقه بحربها للدواعش في الدول الاخرى يعطي اقتصادها جرعة كبيرة من الانتعاش من خلال توجه شركاتها ومؤسساتها المالية والاقتصادية بإعادة اعمار ما دمرته في تلك البلدان وجنى الاموال والأرباح الخيالية .
وبدل ان تعترف تلك الدول بان سبب ما تتعرض له شعوبنا هو سياستها المتعجرفة والانتهازية سنجدها تخرج علينا على اساس انها المحرره والناصرة والمضحية من اجلنا لتحقيق الامن والاستقرار في بلداننا ونشر الحرية الديمقراطية فيها وهي بذلك تخدعنا مره اخرى .
ولكننا رغم كل ذلك نجد ان تعمل تلك الدول على محاربة ما اوجدته خيراً من ان تدعه يعيث فساداً ودماراً في شعوب امه ابتليت بكثرة المتآمرين عليها .
وعليها هذه المرة ان لا تشعرنا بأنها متفضلة علينا بل العكس هو الصحيح لأننا كنا اول من يدفع ثمن اخطائها وطموحاتها اللا مشروعة ، وما اتت به من حثالات دفعتها باتجاه التنكيل والدمار بالبلدان العربية من اجل تحقيق اهدافها الدنيئة المتمثلة بالاستحواذ على الطاقة وتامين سلامة اسرائيل .
وصحيح إننا قد نشجع اي خطوة تساعدنا لمحاربة الارهاب وتجفيف منابعه إلا اننا في نفس الوقت لا نقبل ان يكون الثمن باهظا مرة اخرى لأننا سددنا ما فيه الكفاية من ارواح وأموال وحصدنا الكثير من الخراب والدمار حتى اصبحنا غير مستعدين لتقديم اي ثمن.
وعلى السياسيين ان يعوا هذه الحقيقة ويكفوا عن المجاملات والخنوع والانبطاحية تحت اقدام الاخرين وان يتذكروا اننا بلد يمتلك مفاتيح كنوز الدنيا ولا ينقصنا المال والرجال لأننا امة اتت لتبقى .
كما عليهم ان يكونوا اقوياء ويعرضوا قضية بلدهم بكل المحافل الدولية ويستعرضوا بشاعة الجرائم التي ارتكبتها العصابات الداعشية والمتواطئين معها بحق الشعب العراقي بكل وضوح لان دماء العراقيين خطا احمر لا يمكن تجاوزه او تجاهله بأي حال من الاحوال.
وعليهم ان يتذكروا دائما ان لهذا الشعب صوت وعقل وقول وفعل .
مقالات اخرى للكاتب