يستطرد هاشم قائلا: دعوت الى ذلك اللقاء الاستاذ قاسم حسن ، وهو يتقن اللغة الروسية، وكان لدى ميكويان مترجم روسي يقوم بمهمة الترجمة من الروسية الى العربية وبالعكس. سألت ميكويان عن رأية بعبد الكريم قاسم، فاجاب ميكويان بالروسية: انه شيطان (بالمعنى السيئ للكلمة) وقال للمترجم: ولكن لا تترجم لهم ذلك، ثم اخذ يمدح عبد الكريم قاسم ويشيد بخصائص سياسته وقد فهم قاسم حسن ما قالة ميكويان، واخبر المجتمعين فيما بعد بما ذكره الضيف السوفيتي عن عبدالكريم قاسم، نقل هاشم جواد بالطبع كل ذلك لعبد الكريم قاسم.
قرأت في مذكرات محمد حديد ان هاشم جواد اقام حفل عشاء على شرف ميكويان، وكان عبدالكريم قاسم ومحمد حديد وبعض الشخصيات العراقية مدعوة ايضا، وان ميكويان طلب من قاسم اثناء ذلك اللقاء، ايقاف الحملة ضد الشيوعيين العراقيين فما كان من عبدالكريم قاسم الا ان يجيبه بحدة ان هذا تدخل في الشؤون الداخلية للعراق، فتوقف ميكويان عن الاستمرار بالكلام حول هذا الموضوع ولم يعد له بتاتا.
قاسم حسن من أوائل العراقيين الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي عندما كان في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، ثم ترك الحزب الشيوعي فيما بعد، وأصبح سفيرا للجمهورية العراقية في براغ، ورفض العودة الى العراق بعد انقلاب 8 شباط البعثي.
توقف هاشم جواد بعدئذ طويلا عند موضوع الكويت وموقف عبدالكريم قاسم من ذلك، وتحدث بأسى كيف انه كان خارج العراق عندما عرف بهذا، وكيف انه ارسل بشكل عاجل طلبا لتأجيل طرح الموضوع الى حين رجوعه، اذا انه كان قد تحدث مع اطراف عربية حول ذلك، وكان يحمل معه افكارا تمثل الحل الوسط لهذا الموضوع الشائك، ولكن سبق السيف العذل كما يقولون. وحدثني وزير خارجية الجمهورية العراقية عن مسألة طريفة و ذات مغزى عميق قائلا، ان هناك سياق عمل في الخارجية العراقية عندها، وهو السماح لسفراء الدول الكبرى بمقابلة وزير الخارجية دون موعد مسبق، اذ عندما يأتي احد سفراء تللك الدول الى الخارجية دون موعد مسبق، فان ذلك يعني ان هناك امور مهمة تقتضي حضورهم وقد حدث مرة ان اخبرته السكرتارية بمجيء السفير الامريكي فاستقبلته راسا واخبرني ان معلومات وصلت الى السفارة الامريكية مفادها ان عبدالكريم قاسم ينوي تعيين عبدالوهاب محمود ، السفير العراقي في موسكو ، وزيرا للخارجية بدلا من هاشم جواد، وان السفارة الامريكية لا توافق على هذا التعديل الوزاري. تعجب هاشم جواد من فحوى هذا اللقاء و لم يقل شيئا لانه لم يكن يعلم به اصلا. وبعد خروج السفير الامريكي بوقت قصير، حضر السفير البريطاني دون موعد مسبق ايضا واخبره بنفس تلك المعلومات وعدم موافقة بريطانيا على هذا التغيير. في المساء، نقل هاشم جواد ما جرى في اللقاء مع السفير الامريكي والبريطاني دون اي تعليق، فسألته متعجبا ومتسرعا: وماذا قال لك عبد الكريم قاسم؟ اجابني: سكت ولم يقل شيئا، واضاف قائلا: ولم يحدث هذا الشيء كما هو معروف.. سألته بعدئذ عن اعتقاله بعد انقلاب 8 شباط البعثي، فقال انه قضى فترة قصيرة في الاعتقال وتم الافراج عنه نتيجة تدخل شخصيات عربية وعالمية، وهكذا وصل الى بيروت ليكون المسؤول الاول في ممثلية الامم المتحدة في لبنان.
(مداخلة: حدثني الاستاذ الدكتور عبدالحسين القطيفي، الذي كان حينها وكيلا لوزارة الخارجية، ان قوائم المعتقلين كانت تصدر من السفير الامريكي في بغداد وترسل الى صالح مهدي عماش مباشرة).