هذه المقولة قالها احد الشيوخ في لقاء للسمر جمعه وشيوخا آخرين مع صدام في التسعينيات، كانت المقولة حينذاك اشبه بالاحجية، لم افهم مايريد الشيخ بقوله اليمنه فوك اليسره، قلت ربما لليمين واليسار في قضية الحكم دخل في هذا، وفسرتها تفسيرا سياسيا، اليمين هو حزب البعث الحاكم، واليسار هم المعارضة من الحزب الشيوعي وسواه، وقلت ان هذا الرجل يطمئن (صدام) بان الامر مستتب للقيادة، وان حزب البعث فوق الجميع، ولاداعي للتوجس من المعارضة، او الخوف على السلطة، وفي جلسة ودية مع اصدقاء مازلت اعتز بذكراهم واحن الى لقائهم، وبعد ان تناولنا طعام الغداء في بيت صديقي نزال عباس الفاضل من البو عيسى في الفلوجة، اذن المؤذن لصلاة الظهر، فاصطفوا للصلاة، وبقيت جالسا في مكاني، لاني لم اكن اصلي، سحبني نزال من يدي وقال : قم صلّ معنا، فامتثلت للامر وصليت، وبدون معرفة ولاقصد وضعت يدي اليسرى فوق اليمنى، وعندما انتهت الصلاة، ضحك صديقي وقال: كنت متقصدا بوضع يدك اليسرى فوق اليمنى لتبطل الصلاة، فاقسمت له انني لا اعرف هذه المراسيم، وانقلب الامر الى ضحك في ضحك، ثم عدت الى بغداد.
وبدأت تداعيات الامر في السيارة تلوح لي من قريب وبعيد، وربطت ماقال الشيخ لصدام ومافعلته انا في ذلك اليوم، فاكتشفت ان المقولة كانت طائفية بامتياز، لم تكن تعني حزبا او معارضة او حركة سياسية، وفعلتي ايضا التي وضعت بها يدي اليسرى فوق اليمنى بدون قصد كانت طائفية بامتياز ، او هكذا تصورها صديقي ، ما اريد ان اصل اليه ان الطائفية كانت موجودة، وتحرك الكثيرين، ولكن وجود الاحزاب المتحررة من سلطة الدين كانت العقبة الكبيرة التي تقف بوجه هذه الطائفية، حيث اننا لم نكن نتطرق الى عائشة ام المؤمنين ولا الى عمر بن الخطاب او الامام علي في لقاءاتنا اليومية، كنا نتطرق الى الشيوعية وافكار ماركس في الاشتراكية، ومن ثم نعرج الى الشعر والقصة والرواية، لم اكن اعرف او اتصور ان عمر بن الخطاب قد كسر ضلع فاطمة الزهراء، وامام انظار علي بن ابي طالب، لانني كنت ارسم لعلي صورة كبيرة جدا، لا افكر معها انه سيكون متحضرا الى هذا الحد ويترك الامر بسلام وهو البطل الصنديد، ولم ابحث في الامر حتى دخلت الى مهنة التدريس، فسألني طالب، بعد ان قلت الخليفة عمر رضي الله عنه، كيف تقول رضي الله عنه وهو من كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء؟ وهو الذي سرق الخلافة هو وابوبكر من علي عليه السلام، اوضحت الامر باسلوب غير طائفي قلت له ان عمر لم يكسر ضلع فاطمة الزهراء، وهذا الامر من المستحيل ان يتم بوجود الامام علي، لانه لايسكت عن ظلم، اما قضية الخلافة فقد جرت كما تجري الانتخابات لدينا الان، قريش كانت تكره الامام علي لانه قتل معظمهم، آباءهم وابناءهم واخوانهم دفاعا عن الاسلام، وما قصة النظر بن الحارث القريشي الا دليل على ذلك عندما هجى النبي، فظفر به الرسول وفال من فوره: ياعلي اقطع عنقه، وحينها جاءت اخته قتيلة بنت الحارث واعترضت طريق النبي بقصيدة طويلة منها:
أمحمد ولأنت ضئر نجيبة....... ان تنتسب والفحل فحل معرق
ماكان ضرك ان مننت........... وربما منّ المغيض المحنقُ
والنظر اقرب من اصبت وسيلة.... واحقهم ان كان عتق يعتقُ
تألم الرسول كثيرا وقال: لو سمعت كلامها ماقتلته، اذن بعد هذا نعرف ان الامام علي كان سيف الاسلام الضارب، وهو الذي جلد الوليد اخو عثمان وقال عندما تناول السوط: سأجلده ولتسمني قريش جلادها، فكيف تريد ان ينتخب للخلافة بعد هذا، لم يدم الامر طويلا واذا بالمدير يعتب ويمتعض، ويهدد، ولكن شفع لي ان زوجته كانت في مكان ما ودافعت عني باني لم اقصد هذا ولذا نجوت باعجوبة، نجوت ليس من المدير بل من جهة مقتدرة اخرى؛ على هذا الاساس انا استغرب من الذين يقولون ان الطائفية ظهرت الان بعد 2003، وانا اقول لهم انها ولدت مع الاسلام لكن هنالك عوامل اخفاء كثيرة، ومنها الحركات السياسية التي رأت ان الامة تأخرت كثيرا ولابد من فكر بديل على الاقل يؤخر هجوم الافكار المتطرفة على المجتمعات، وبالفعل كانت الافكار التحررية خير معين على تحجيم فكرة الطائفة والعشيرة ايضا، ومع هذا فهناك من يحاول ان يقف عند قضية اليد اليمنى واليسرى مثل العلواني وثائر الدراجي.
مقالات اخرى للكاتب