ما يجري في اقليم كردستان اليوم من اضطرابات ومصادمات ليس أمراً مفاجئاً، ولا أدري كيف فاتت حنكة السيد بارزاني وفطنته أن الوضع في الاقليم يعيش أزمة حقيقية منذ سنوات وأنها كانت ستنتهي حتما بما نشهده اليوم وما سيتمخض عنه هذا الوضع من تطورات لاحقة.
الازمة متعددة الابعاد أولها السياسي: فسكان الاقليم، شعبا وأحزاباً - عدا الحزب الديمقراطي- بدأوا يتوجسون من النظام الرئاسي الذي بدت مؤشرات تحوله الى دكتاتورية، واضحة للعيان، خصوصا مع أزمة الرئاسة ورفض رئيس الاقليم التنحّي بعدما انهى ولايتين وفق الدستور وزاد عليها سنتين خارج الدستور. صحيح أن رفض التمديد لم يكن شعبياً واضحاً بل جاء عبر مواقف الاحزاب الكردية التي أصرت على عدم التمديد ثانية، الا أن الرفض الشعبي شكل دعامة لموقف الاحزاب التي رأت أن الامور تسير باتجاه نظام «الحزب القائد» الذي سرعان ما قد ينقلب على شركائه في السلطة، وبعدما باتت مقاليد السلطة الحقيقة بيد حزب لتتحول بعدها الى عائلة تهيمن على المفاصل المهمة للحكم.
الازمة في الاقليم هي في جوهرها صراع نفوذ. حركة التغيير خرجت قبل سنوات من رحم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي خرج بدوره منشقا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في ستينيات القرن الماضي. كل هذا جعل العلاقات بين هذه الاحزاب فاقدة للودّ في أحسن حالاتها لكن تفاقم الاوضاع نقلها الى حالة مناوشات كلامية وقطيعة بين حركة التغيير والحزب الديمقراطي على أثر هجوم متظاهرين على مقرات «الديمقراطي» وحرقها وردّ حرس المقرات بقتل عدد من المتظاهرين. أما حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فيبدو حتى الآن مكتفيا بالتفرج على صراع الحزبين الخصمين له.
السبب الثاني للازمة الحالية اقتصادي ويبدو انه هو الذي فجر الملفات السياسية، ونقل الشارع من حالة الركود الى الانتفاض بعدما ظلت قطاعات واسعة من الموظفين تأخذ رواتبها متأخرة لعدة شهور. لم يعد مقنعا أن يقال للموظفين في الاقليم أن المركز يقطع الرواتب كما كان يحدث من قبل من أجل تحويل غضب الناس من الحكومة المحلية الى الحكومة المركزية. بغداد تدفع باستمرار ولكن بمقدار ما تسلم أربيل من النفط المستخرج الى بغداد حسب الاتفاق المبرم مع المركز، وهو لم يتعدّ عتبة الـ١٨٠ الف برميل يوميا مقابل الاتفاق على ٥٠٠ مئة ألف دولار. ولم يعد صعبا على الناس في الاقليم تشخيص الحقيقة وهم يسمعون رئيس حكومة الاقليم يعلن انهم بدأوا تصدير النفط بشكل مستقل عن بغداد، ويسمعون مسؤولا كرديا يقول ان الاقليم صدر خلال شهر آب ما قيمته مليار ونصف المليار دولار، فكان السؤال الشعبي: اين العائدات ولماذا لا يدفعون رواتبنا إذن؟.
ليس انخفاض أسعار النفط ومجهولية مصير عائداته هما سبب الازمة الاقتصادية الوحيد في الاقليم، فالفساد ايضا لعب دورا كبيرا في هذا الانهيار، وهيمنة أفراد من الحزب الحاكم على الكثير من المفاصل ومحاولة الاستحواذ على المشاريع، هو امر دفع الكثير من المستثمرين والبنوك الخارجية الى سحب أعمالهم من الاقليم ما زاد من حدة الركود الاقتصادي عموما.
الازمة في كردستان سياسية - اقتصادية بشكل كبير، قطبا الصراع فيها حتى الآن الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير التي يبدو انها ستتحول الى المعارضة لتستمر حالة الصراع السياسي الذي سيعطل ملف رئيس الاقليم وسيبقي الوضع على ما هو عليه الى أمد غير معلوم.
مقالات اخرى للكاتب