Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
كربلاء برؤية جديدة .. الحلقة الثالثة والعس
السبت, تشرين الأول 17, 2015
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

حقيقة الشيعة ودورهم في واقعة كربلاء ..

لم يكن فيمَن ساهم في قتل الحسين (ع) أحد مِن الشيعة، هذه تهمة الدولة الأموية بعد أن وقعت في وحل الجريمة وأرادت أن تزيل العار عنها , وتتخلص من ذيول الجناية التي كتبها التاريخ على جبين حكام الاموين , فأوعزت لكاتبها الطبري , كما بينا ذلك في عدد من النصوص في كتابنا هذا .. ليلقي تبعة قتل الحسين {ع} على الشيعة , او يلقي بضلال الجريمة على الدولة البيزنطية , المهم الأمويون أبرياء من قتل الحسين  {ع} ..وهناك عقيدة ورثناها , حول مفهوم التشيُّع , وهو واضح ومحدَّد , لا ينطبق  مطلقا , معنى التشيع على واحدٍ ممَّن شارك في قتل الحسين (ع) فضلاً عن دعوى أنَّ كلّ مَنْ شارك في قتله كان مِن الشيعة.

    فهذه الدعوى تعتبر  جناية على التاريخ ومجافاة للحقيقة وتضليلاً للرأي العامّ، ولا يخفى على كلِّ مَنْ له أدنى معرفة بوقائع التاريخ أنَّ منشأ هذه الدعوى هو الحسد والحقد الكبيرين  في القلوب التي تكن العداء لأهل البيت {ع} , والتخبط  في تفسير واقعٍ استعصى على القوم تبريره بما يتناسب  والجريمة المروعة التي طالت بيت رسول الله {ص} ومدعياتهم إنهم مسلمون .. أكاذيب سار وتمسك بها الاموين ومرروا مشروعهم على الأجيال ,وأسسوا دولتهم ودينهم وفق هذا المشروع المزور , فجنح كل تاريخهم عن الحقِّ , وتبين حقيقة إسلامهم من خلال موقفهم من الإسلام ورموزه , حين عراها موقف الحسين{ع} وشيعته يوم عاشوراء ..

 

 

من هم  شيعة آل أبي سفيان .؟

 

             حدد الحسين {ع} هوية الجيش الذي قاتله يوم عاشوراء في نداءه لهم بالاسم الصريح  قائلا لهم ويعنيهم بالتحديد . شيعة آل أبي سفيان ... فمن هم ..؟ الوثائق التي وصلتنا من الثورة الحسينية تكشف هوية الذين قاتلوه وهم غير شيعته .. منها  كتابه  لأهل الكوفة واليك النص.

ثم كتب مع هاني السبيعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكانا آخر الرسل: بسم الله الرحمن الرحيم . من الحسين بن على ، إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد: فإن هانئاً وسعيداً قدما علي بكتبكم- وكانا آخر من قدم علي من رسلكم- وقد فهمت كل الذي ذكرتم ، ومقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق . وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتب إليَّ أنه قد أجمع رأي ملأكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله . فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله ، والسلام ) . انتهى.

                 نلاحظ أنه عليه السلام عنون رسالته أليهم: ( إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين) لأنه يعرف أن أكثرهم ليسوا من شيعته .فسماهم الملأ ..وهناك نص في التاريخ يؤيد هدفي من إيراد النصوص .. انظر بدقة .....  

      عندما وصل  مسلم بن عقيل إلى الكوفة " كتب شيعة يزيد من أهل الكوفة"  إلى يزيد بأخبار مسلم ، فكتب يزيد إلى ابن زياد واليه على البصرة ،(    ): ( أما بعد: فإنه كتب إليَّ من شيعتي من أهل الكوفة يخبروني أن ابن عقيل بها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة ، حتى تثقبه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام ، وسلم إليه عهده على الكوفة ) . انتهى.

     هذا يدل أن الكوفة كان فيها شيعة لبني أمية وفيها شيعة لأهل البيت{ع} لاشك أن الذين حاربوا الحسين{ع} هم شيعة آل أبي سفيان وليسوا شيعته، بل إن عدداً من الذين كتبوا أليه كانوا في الباطن من شيعة بني أمية ، وكان غرضهم أن يأتي الحسين {ع} إلى الكوفة ليقتلوه!

وكان الحسين عليه السلام يعرف نياتهم وهدفهم ، لكنه يعمل حسب برنامجه وهداية ربه ، وقد وصفهم بأنهم شيعة آل أبي سفيان...(    ).. 

    ولم نسمع إنه أو احد أصحابه خاطب الجيش الأموي , أو عيروهم بأنهم من شيعة علي {ع} انظر للنص الواضح فصاح الحسين{ع}: ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون ! فنادى شمر: ما تقول يا ابن فاطمة؟ ..فقال: أقول إنا أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي مادمت حياً. فقال شمر: لك ذلك يا ابن فاطمة . ثم صاح أليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه... 

كلام الحسين {ع} مع الشمر واضح جدا " امنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم " فهل يعقل أن ينادي إمام معصوم شيعته بمثل هذا الخطاب .!! أو انه يوضح لهم وللتاريخ إنهم ضالون مضلون ملعونون ..؟. من هذا يتضح أن الذين قتلوا الحسين{ع} هم شيعة بني أمية أما شيعة الحسين عليه السلام فكانوا في السجون,  ووصل أليه عدد قليل منهم في كربلاء , تمكنوا أن يفلتوا من الحصار الشديد على الكوفة , واستشهدوا بين يديه ..إن مقولة أن شيعة الحسين{ع} هم الذين قتلوه ، مقولة غير واقعية ، غرضها تبرئة يزيد وشيعته من دم الحسين عليه السلام .

قال الإمام الرضا{ع}: (إن شيعتنا مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ).(    ).

(وقال أبو جعفر عليه السلام : إنما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا ، ومن إذا خفنا خاف ، وإذا أمنا أمن ، فأولئك شيعتنا ) (    ) . انتهى.... إذن الجيش برمته يتكون من ...

الطائفة الأولى:الخوارج أو مَن يعتقد بعقيدتهم  من ان خروج الحسين (ع) على يزيد , هو خروج عن الإسلام ,  أو أنَّه كان مخطئاً وعاصياً (    ) يتَّضح ذلك من كلمات مَنْ شارك في المعسكر الأموي الذي قاتل الحسين (ع) يوم العاشر، ونذكر لذلك بعض النماذج:

الأوَّل: ما ذكره ابن الأثير في الكامل وذكره آخرون أيضاً أنَّ القوم لمَّا أقبلوا يزحفون نحو الحسين (ع) كان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي، فصاح أفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحاب الحسين (ع): هذا الحسين فما تريد منه؟ قال: يا حسين أبشر بالنار، قال الحسين (ع): كذبت بل أقدم على ربٍّ غفور كريم مطاع شفيع فمَن أنت؟ قال أنا ابن حوزة فرفع الحسين (ع) يديه حتَّى بان بياض إبطيه وقال: اللهمَّ حزه إلى النار، فغضب ابن حوزة وأقحم الفرس إليه..." (    ) .

هذا نموذج يعبِّر عن رأي بعض مَن كان في معسكر عمر بن سعد في الحسين (ع) وأنَّه ينظر للحسين {ع} بأنه  مستحقٌّ للنار. ولا أحد مِن المسلمين يرى هذا الرأي سوى الخوارج الذين قالوا أن عليا {ع} كفر بعد إيمانه وأبناءه على نهجه ..

النموذج الثاني: ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "وكان عمرو بن الحجَّاج -وهو مِن القوَّاد في المعسكر الأموي الذي قاتل الحسين (ع) - قال لأصحابه يوم العاشر "قاتلوا مَن مرق عن الدين وفارق الجماعة، فصاح الحسين (ع) "ويحك يا عمرو أعليَّ تحرِّض الناس؟ أنحن مرقنا مِن الدين وأنت تقيم عليه؟ ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا مَن أولى بصلي النار" (    ) .

هذا النموذج أبلغ مِن الأوَّل حيث صرَّح ابن الحجَّاج عن رأيه في الحسين (ع) وأصحابه وأنَّهم مرقوا مِن الدين، هذا الشعار كان في عقيدة القوم وإلاَّ لما استعمله ابن الحجَّاج ، وهو ما يعبِّر  أنَّ شريحة كبيرة في المعسكر الأموي كانت ترى هذا الرأي في الحسين (ع) . 

النموذج الثالث: ما ذكره الطبري في تاريخه وروى عن الضحَّاك المشرقي قال: لمَّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنَّا ألهبنا فيه النار, إذ أقبل رجل .. فنادى بأعلى صوته: "يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل نار القيامة" فقال الحسين (ع): "مَن هذا كأنَّه شمر بن ذي الجوشن فقالوا نعم   (     ) .  هذا النموذج يعبِّر عمَّا ذكرناه مِن أنَّ رأي بعض مَن شارك في قتل الحسين (ع) هو رأي الخوارج.

النموذج الرابع: وروي عن الضحَّاك بن عبد الله المشرقي قال: "فلمَّا أمسى الحسين وأصحابه ليلة العاشر ,قاموا الليل كلّه يصلُّون ويستغفرون ويدعون ويتضرَّعون .. قال:  فتمرُّ بنا خيل لهم تدور حولنا والحسين {ع} يقرأ ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّب﴾ (    ) . فسمعها رجل مِن تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال نحن وربِّ الكعبة الطيِّبون ميزنا منكم..." (    ) وهذا النموذج يعبِّر عن أنَّ بعض مَنْ كان في المعسكر الأموي يرون أنَّهم على صوابٍ في موقفهم وأنَّهم الطيِّبون وأنَّ مَنْ يواجهونهم هم الخبيثون وهو ما يعبِّر عن رؤيتهم في قتل الحسين (ع) وأنَّه مِن الطاعات والقربات إلى الله تعالى...

النموذج الخامس: قال حميد بن مسلم: "... فلمَّا رأى أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي الشمس قد زالت , قال للحسين (ع): يا أبا عبد الله نفسي لك الفداء... لقد حان وقت الصلاة , وأحبُّ أنْ ألقى ربِّي وقد صلَّيتُ هذه الصلاة التي دنا وقتها قال فرفع الحسين رأسه ثمَّ قال ذكرت الصلاة جعلك الله مِن الذاكرين, نعم هذا أوَّل وقتها ثمَّ قال : سلوهم أنْ يكفُّوا عنَّا حتَّى نصلِّي فقال لهم الحصين بن نمير إنَّها لا تُقبل فقال له حبيب بن مظاهر لا تُقبل! زعمت انها لا تقبل من ابن رسول الله وتاقبل منك يا حمار ..(    )هذا نموذج من شيعة آل أبي سفيان .يعبِّر عن رأيهم في الحسين (ع) وموقفهم من الثورة الحسينية ....

النموذج السادس: ما رواه الطبري أنَّ حميد بن مسلم قال: ثمَّ أنَّ عمر بن سعد نهض إليه عشيَّة الخميس لتسع مضين مِن المحرَّم ونادى: يا خيل الله اركبي وأبشري..." (    ) .

         هذا النصُّ مِن أبلغ النصوص على ما ندَّعيه، فعمر بن سعد رغم انه رجل انتهازي , وانه لا  يعتقد بما يقول, إلاَّ أنَّه استخدم هذا الشعار لتعبئة جيشه واستنهاض عزائمهم , لأنه عرف عقيدة جيشه , وما انطوت عليه ضمائرهم مِن اعتقاد بأنَّ حرب الحسين (ع)  طاعة لله تعالى تقع في سياق الطاعات والقربات، وليس مَنْ يعتقد ذلك إلاَّ الخوارج أو الاموين  ومن ينحو نحوهم.وهناك نماذج يطول أيراد ذكرهم ومواقفهم  البعيدة عن مدرسة أهل البيت {ع} ..وثمَّة نماذج أخرى يقف عليها مَن يطَّلع على المصادر التي تصدَّت لتفاصيل مقتل الحسين (ع) .

الطائفة الثانية: أصحاب المصالح المغرر بهم وطلاب المال :..كانوا ممَّن غرَّتهم الدنيا وطمعوا في الحظوة مِن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، وهؤلاء وإنْ كان منهم مَن يعرف مقام الحسين (ع) وأنَّه لا يحلُّ لهم استباحة دمه إلاَّ أنَّهم لا يكترثون بذلك لأنهم ليس بشيعته ، ويمكن الاستشهاد لذلك بمجموعة مِن المواقف التي ذكرها المؤرِّخون:

الموقف الأوَّل: ما ذكره الطبري وابن الأثير في الكامل و أحمد بن أعثم الكوفي في فتوحه، وغيرهم "إنَّ عمر بن سعد تقدَّم نحو عسكر الحسين (ع) ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنِّي أوَّل مَن رمى ثمَّ رمى الناس..."(    ) .

هذا الموقف يعبِّر أبلغ تعبير عن حرص ابن سعد على أنْ يكون في الموقع القريب مِن ابن زياد، ولا ينبغي مِن ذلك غير الدنيا التي أصبحت بيد ابن زيادٍ وأميره يزيد بن معاوية، فهو يخشى أنْ يتَّهمه ابن زياد بالتلكُّؤ ويطمح بأنْ يبلغ الكمال في إخلاصه للسلطة بموقفه هذا. كلُّ ذلك كان حرصاً مِنه على الدنيا وخشيةً مِن زوال حطامها مِنه.

وذكر المؤرِّخون الحوار بين ابن سعد وابن زياد حين أمَّره على أربعة آلاف يسير بهم إلى "دستبي" لأنَّ الديلم لما تمردوا على بني أمية ..وكتب له عهداً بولاية الري ودستبي والديلم، فلمَّا بلغ الحسين (ع) كربلاء أمره بأنْ يخرج إلى كربلاء ..ومما أوصاه , فقال ابن زياد لست أستأمرك فيمَن أريد أنْ أبعث فإنْ سرت بجندنا وإلاَّ فابعث إلينا عهدنا فلمَّا رآه ملحّاً قال إنِّي سائر" (    ) الموقف الثاني: ذكره ابن الأثير في الكامل قال: قال مسروق بن وائل الحضرمي: "كنت في أوَّل الخيل التي تقدَّمت لحرب الحسين لعلِّي أصيب رأس الحسين (ع) فأحظى به عند ابن زياد" (     ). 

الموقف الثالث: ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنَّ خولِّي بن يزيد الأصبحي (    ) جاء بالرأس الشريف إلى ابن زياد وقال له:أملأ ركابي فضَّة أو ذهبـا إنِّي قتلتُ السيِّد المحجَّبــا

الموقف الرابع :ذكره الخوارزمي في مقتل الحسين (ع) أنَّ الذين وطئوا جسد الحسين (ع) وهم عشرة أقبلوا إلى ابن زياد يقدمهم أسيد بن مالك وهو يرتجز: نحن رضننا الصدر بعد الظهر بكلِّ يعبوبٍ شديد الأسـر,  فأمر لهم بجائزة يسيرة... وبنفس الصدد , ما ذكره الطبري وجمع مِن المؤرِّخين قال: " ولمَّا قتل الحسين بن علي (ع) جيء برأسه وبرؤوس مَن قتل معه مِن أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً وجاءت بنو أسد بستَّة رؤوس، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس , وجاء سائر الجيش بسبعة رؤوس فذلك سبعون رأساً..." (     ) .

        تقسيم الرؤوس يعبِّر عن حرص القبائل التي شاركت في قتل الحسين (ع) على أنْ تحظى بالرضا مِن ابن زياد.  وكيف يكون هؤلاء مِن الشيعة؟! وهل الشيعي يقطع رأس الإمام ورؤوس أصحابهم , أم إن هذا ذباح للشيعة في ذلك الوقت ..يتَّضح فيما سنذكره لاحقاً أنَّ أكثريَّة أهل الكوفة لم يكونوا مِن الشيعة آنذاك وأنَّ مشاركة الكثير مِنهم في جيش علي (ع) منشؤه أنَّ عليّاً (ع) كان في موقع الخلافة وهذا لا يعني من يلتقي معه أو يسير في جيشه انه من شيعته .(    ).

 والفئة الواسعة ممَّن يحملون ضغناً وحقداً على الحسين (ع)  كرههم لعلي بن أبي طالب {ع}  بسبب قتله لاباءهم وعمومتهم وأبناء عشيرتهم ..فكانت مشاركتهم بدافع التشفِّي والانتصار لإضغان كانوا يكتوون بها.ويمكن الاستشهاد لذلك بمجموعة مِن المواقف تناقلتها كتب التأريخ:

عندنا نموذج , لما برز علي الأكبر أبصره مرَّة بن منقذ العبدي فقال: "عليَّ آثام العرب إنْ لم أُثكل أباه به فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته" (     ) .

هذا الموقف كما تلاحظون يعبِّر عن مستوى الغيظ الذي يحمله هذا الرجل على الحسين (ع)، فكان الدافع مِن اغتياله لعليٍ الأكبر (ع) هو إدخال الحزن والأسى في قلب الحسين (ع) . ثم إن الشمر بن ذي الجوشن حمل حتَّى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى عليَّ بالنار, لأحرق بيوت الظالمين ..! فصاحت النساء وخرجن مِن الفسطاط، , فصاح به الحسين يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! حرَّقك الله بالنار (    )  . فهل الذين ناداهم شمر ليحرق بيت الحسين {ع} كانوا من الشيعة ...؟ ولا أظنُّ أنَّنا بحاجة للتعليق على هذا الموقف لقد  فَقَدَ القوم صوابهم فأخذوا يعبِّرون عمَّا اكتوت به ضمائرهم بأقبح تعبير.

ذكر الفتال النيسابوري في روضة الواعضين "أنَّ الحسين {ع} جعل يطلب الماء وشمر يقول له والله لا تشربه أو ترد النار، فقال له رجل ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنَّه بطون الحيَّات! والله لا تذوقه أو تموت عطشاً، فقال: الحسين اللهمَّ أمته عطشاً" ..!!!  هذه بعض النماذج المعبِّرة عن ما كان يكنُّه قتلة الحسين (ع) مِن حقدٍ بلغ مداه فأفصحت عنه قسوةٌ لم يعرف التأريخ لها نظير، فلم تكن بشاعة ما ارتكبوه تكافئ مقدار ما انطوت عليه قلوبهم، فكلَّما أوغلوا في القسوة وجدوا أنَّ غليلهم يزداد التهاباً، فعمد بعضهم إلى أطفال الحسين (ع) يذبحونهم ذبحاً ، وقصد آخرون جسده الذي أعياه النزف لينهالوا عليه بسيوفهم وهو جالس على الأرض , بعضهم يركله برجله، وآخر يقطع إصبعه  وثالث يحزُّ معصمه  ورابع يقطع رأسه  وخامس يسلب ثيابه ، وآخرون يوطئون الخيل ظهره وصدره  ولم يجد بعضهم غير الحجارة يرضخون بها جسده(    ).

فأيُّ منصفٍ يقف على كلِّ هذه المشاهد ثمَّ يجرؤ فينسب هؤلاء إلى شيعة الحسين (ع)، هؤلاء لم يكونوا يتديَّنوا بدين كما أفاد الإمام الحسين (ع) حينما قصدوا رحله وحالوا بينه وبين أهله"ويلكم إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا في أمر دنيا كم أحراراً ذوي أحساب..." 

عقيدتنا في معنى التشيع عند آل البيت{ع} من أولى أساسياته , أن يرجع أمر الأمة إليهم  فيكون تهذيبم  وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم ، فكانوا مع كل من يواليهم يأتمنونه على سرهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الأحكام الشرعية وتلقينه المعارف المحمدية ، ويعرفونه ما له وما عليه . ولا يعتبرون الرجل تابعا وشيعة لهم إلا إذا كان مطيعا لأمر الله مجانبا لهواه آخذا بتعاليمهم وإرشاداتهم ...ولا يعتبرون حبهم وحده كافيا للنجاة كما قد يمني من يلتمس عذرا في التمرد على طاعة الله سبحانه . أنهم لا يعتبرون حبهم وولاءهم منجاة إلا إذا اقترن بالأعمال الصالحة وتحلي الموالي لهم بالصدق والأمانة والورع والتقوى (     ).

 

التحضيرات للثورة في مكة

 

                لم تكن ثورة الحسين {ع} ثورة انفعالية , كما ذكرها تاريخ الطبري وغيره , صوره الكتاب  انه خرج من المدينة بعدد من أهل بيته , ونزل مكة , بقي فيها أربعة أشهر وأيام , ثم غادرها إلى العراق , وكأن الحسين {ع} وكادر الثورة لم تكن لهم جذور وامتداد اجتماعي ثوري في العراق كله , وان الثورة افتقدت الأعداد  والتخطيط , لذا تعتمد دراستنا في هذا الكتاب على إظهار ما حاول أن يخفيه الأمويون من سعة الثورة وشموليتها وبيان قاعدتها الواسعة , وكيف خطط الحسين {ع} لتكون ثورته عالمية تدخل رحم التاريخ , وتتفاعل مع كل المظلومين في العالم , وفي كل مكان فيه ظلم  ,في كل ارض وكل يوم , وقد نجح في هذا أعظم نجاح , وأصبحت ثورته فريدة من نوعها ونتائجها . 

لكنّ المؤسف جداً  إن التاريخ نجح  في أخفاء تفاصيل مهمة من عمر الثورة , ـ كما قلنا في بداية الكتاب ,لأنّ التأريخ لم يسجل لنا عن الأيام المكيّة إلاّ ملاحظات عامّة غضّت الطرف وأغمضته عن كثير من التفاصيل التاريخية اللازمة في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تنقدح في ذهن المتأمل حول تلك الفترة وما جرى فيها وبعدها. ويمكن للمتتبع أن يحدّد المحاور العامة التي سجلها التأريخ لهذه الفترة المكيّة بما يأتي:

1ـ إنشداد الناس في مكّة إلى الإمام الحسين (ع) واحتفاؤهم به، وتضايق عبد الله بن الزبير والسلطة الأموية المحلّية في مكّة لذلك. وهذا الانسداد هو نوع من التأييد للثورة .. 

2ـ محاولات بعض وجهاء الأمّة لثني الإمام{ع} عن التوجّه إلى العراق في إطار لقاءات ومحاورات النصح والمشورة وبعض المكاتبات في هذا الصدد, كعبد الله بن عمر ,وابن عباس وغيرهم .

3ـ رسائل أهل الكوفة إلى الإمام{ع} ورسائله أليهم  والى أهل البصرة.

4ـ إرسال الإمام{ع} مسلم بن عقيل {ع} إلى أهل الكوفة, حيث كان منطلق الثورة من مكة , 

5ـ خطب الإمام{ع} قبيل مغادرة مكّة، والمحاولات الأخيرة لثنيه عن التوجّه إلى العراق.

         هنا تشدد الإعلام الأموي في التعتيم على الحوادث , وظهرت إمكانياته المتطورة  في قلب الحقائق , فمجموع الروايات الواردة في إطار هذه الفترة معدومة تماما , ولم يذكر المؤرخون الجلسات العلنية التي كان يقوم بها الإمام {ع} في مكة , وألا لماذا اختار مكة دون غيرها من المدن , أليس للجانب الإعلامي الذي توفره مكة لنشر ثورته وتوضيح أهدافها للمجتمع ...

أو انه كما صوروه ذهب ليتعبد في البيت الحرام .!!؟  فيتبين عندنا إن أخفاء حقيقة أهداف الثورة بدأت من هنا في مكة , وما وصل ألينا يعتبر نزراً قليلاً جداً إذا قيست نتائج الثورة على المسرح الاجتماعي ,  في فترة لا تقلّ عن مائة وخمسة وعشرين يوماً من وقائع وأحداث، خصوصاً في مدينة مكّة المكرّمة,  وفي أيّام كانت هذه المدينة قد غصّت بجموع غفيرة من معتمرين وحجّاج وفدوا إليها من شتى أنحاء العالم الإسلامي، وفيهم شخصيات مهمة كثيرة يستبعد المتأمّل ألا تكون لها لقاءات كثيرة وطويلة مع الإمام الحسين{ع} هو آنذاك الرمز الديني والروحي للأمّة.وقد شاع خبره انه رفض بيعة الخليفة الجديد , فهل يعقل انه ترك أمر الإعلام الثوري ضد الاموين  , أو  هناك تعمد على إخفاء ما قام به ...

            هذا يدفعنا أن نقتص الآثار في المادّة التاريخية لفترة الأيام المكيّة من عمر النهضة الحسينية , فهناك حوادث مهمة نتابعها ونرصدها بدقة ..

1ـ حركة الإمام الحسين{ع} بين جموع زوار بيت الله الحرام ولقاءاته مع الوفود  في هذه الفترة.

2ـ حركة السلطة الأموية في مواجهة الإمام{ع} من خلال الجواسيس والمندسين , او اللقاء المباشر معه , للوقوف على تحركاته , ولا يعقل ان تترك الدولة ثائرا كالحسين {ع} دون مراقبة ..

3ـ حركة الأمّة إزاء قيام الإمام الثورة , وهل إنهم لم يعيروا أهمية لحركته ,وتركوه يخرج من مدينتهم بعائلة يمكن حصرها وترويعها , كما صوره التاريخ ..؟

المعروف انه دخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان, أو يوم الجمعة، ومكث فيها أربعة أشهر وخمسة أيّام.(     ).. واستقبله الناس  بما يليق بمقامه من حفاوة , وبدا الناس يفدون إلى مكان أقامته .. قال ابن كثير: «وعكف الناس بمكّة يفدون إليه، ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يروون عنه».(   ). 

قال الشيخ المفيد(قدس سره): «فأقبل أهلها يختلفون إليه، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ...». وقال ابن الصباغ: «فأقبل الحسين حتى دخل مكّة المشرّفة ونزل بها، وأهلها يختلفون إليه ويأتونه، وكذلك من بها من المجاورين والحجاج والمعتمرين من سائر أهل الآفاق». وذكر بعض المؤرّخين أنّ أهل مكّة فرحوا به فرحاً شديداً، وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشيّاً. (  ) ..

ويبدو أنّ بعض المتتبعين المعاصرين يرون أنّ المكيّين هم الذين احتفوا بالإمام{ع} وكانوا يختلفون إليه بكرة وعشياً، , وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشيّاً، وهم يسألونه عن أحكام دينهم وأحاديث نبيّهم».(   ) 

إن ثورة الإمام الحسين {ع} التي دامت خمسة أشهر وأثني عشر يوماً , جرت على أربعة مراحل مختلفة  وكان له في كل مرحلة عمل جديد وأسلوب جديد.  فترة من الثورة دامت أربعة أشهر وعشرة أيام  من 28 رجب وحتى 8 ذي الحجة., بقي في مكة أربعة أشهر وخمسة أيام في المرحلة الأولى مدافعاً ومراقباً خوفاً من تجاوزات الحكومة وأعتداءاتها.. فالإمام  في هذه المرحلة ,قام باستقراء الوضع السياسي في العراق وقدراته العسكرية، وإمكانية إزاحة  الحكومة وإعادة الخلافة إلى أهل البيت {ع}  فهو منذ خروجه من المدينة إلى مكة وهو مُراقب من قبل أجهزة الحكومة ,وهذه الأجهزة تنقل أخباره إلى يزيد أولاً بأول.

وفي مكة توسع الصدى الإعلامي  الواسع  في الممالك الإسلامية، مما جعل الأمة الإسلامية تشعر بأن الحكومة الجديدة قد سلبت من الإمام  أمنه واستقراره..

المعتمرون من مكة والحجاج المعتمرون ,  والحجاج المتواجدون آنذاك في مكّة، وفيهم من المكيين القليل ممن ليسوا من بطون قريش، ممن سكن مكّة بعد الفتح وبعد انتشار الإسلام في الأرض، ذلك لأنّ قريشاً توارثت العداء لعليّ وآل عليّ{ع}  والظاهر أنّ جلّ المكيّين آنذاك هم من قريش، ولا ننسى قول الإمام السجاد{ع} «ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا ...».(   ) ..غير ان بقية الجماهير الإسلامية كانت مؤيده ومنتقمة على الوضع .(    ).

 بعد استشهاد الإمام الحسن المجتبى{ع} على صلة بالإمام أبي عبد الله الحسين{ع} رغم الاضطهاد والإرهاب والمراقبة الشديدة من قبل الحكم الأمويّ على الشيعة فكانوا في أنحاء البلاد الإسلامية تبعث إلى  الحسين{ع} الكتب  وتسأله عمّا يهمّها من أمور دينهم، وكان للبصرة نصيبها من الصلة بالإمام{ع}، وقد أثبت التأريخ بعض رسائل شيعته إليه، كالرسالة التي بعثوا بها إلى الإمام{ع} يسألونه فيها عن معنى الصمد، وبعث إليهم بجوابها ...(     )..

 

 

 

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.44972
Total : 101