لم اجد في تاريخ البشرية عرضا وطولا امة لوت عنق الدين الذي نزل بلغتها كنحن العرب . أول مايُسأل المرء وهو يقابل عربي الدم واللسان : بوية انته مِن يا عمام ؟ للتاكد من اصله وفصله ومنبعه . وتتبعها فورا (والنعم) لقلقة لسان ... طبعا الخؤولة لا تعني شيئا أمام سطوة العمومة ، لانها انحدار امومي مطعون من الاساس ولو كان منسوبا لآسيا بنت مزاحم . فاذا ثبت انه عربي مؤصل جذورا " يمنا او حجازا" انفتحت الاسارير وتربع صاحبنا وسط احضان العشيرة الدافئة ، ولو كانت كفه اقذر من كف يزيد بن معاوية "لعنهما الله ابد الابدين ". اما اذا ثبت انه قادم من خارج حضيرة العروبة فلا يشفع له حتى لو كان علم علي بن ابي طالب "ع" في جمجمته ، فهو مغضوب عليه لا يشفع له شافع ولا يدفع عنه دافع ولا ينفعه نافع . تضرب لهم مثلا بمن كان ولما يزل اسوة للانسان الكامل النبي محمد"ص" فيلوون عنق اللغة بالف درنفيز "مفك اللوالب" حتى يبتعدوا عن مواجهة الحقيقة . لم يصل احد من صحابة الرسول "ص" طرّا ، مرقى شرف الانتماء لاهل بيته الطيبين الطاهرين ، الا سلمان عندما رُفّع الى درجة "منّا اهل البيت " وهو درس نادر للبشرية عامة وللعرب خاصة لو كانوا يعقلون . لكن ماذا عسانا نفعل بقلوب وعقول خاطبها رب العزة بـ " ولما يدخل الايمان في قلوبكم " . وسلمان هذا المُغيب عن تاريخنا و مناهجنا وكتبنا وحواراتنا ذنبه الوحيد انه جاء من بلاد فارس تاركا قومه ودينه في صفقة تاريخية ابرمها مع ضميره في ساعة صحوة قلما تمر على بشر . و الرجل قدم خلاصة حضارة اهليه بكل سخاء لخدمة الاسلام الفتي في لحظة حاسمة كانت تمثل حياة او موتا للدعوة . كل هذا لم و لن يشفع له فهو فارسي ودمه ليس ازرق معربا مهما قال عنه النبي "ص" . و ختم تاريخنا المصاب بفايروس الايبولا على ذكر هذه الروح العظيمة عندما وضع سلمان نفسه وكل مجده بين يدي امام الهدى علي بن ابي طالب "عليه السلام " . فاصبح من المغضوب عليهم او ما يعبر عنه بالامثال العراقية التي تضرب ولا تقاس بـ " مكروهة وجابت بنية " . من يقرا ظاهر تاريخنا لا يملك الا ان يتغوط مأجورا أو يَسلح مثابا على صفحاته السوداء "اجلّكم الله" . هل يعقل ان تسوَّد صحائف في "فضائل" العتل معاوية والزنيم ابيه وذريته كونهم عربا اقحاحا ومن لحق بهم سفاحا ، فيما تحجب فضائل من قام الاسلام على ايديهم الشريفة وعقولهم الراجحة وتضحياتهم السخية . عشرات الاحاديث الجاهلية الموضوعة التي سوّقها الامويون انتسابا او هوى ، تنسب الى الرسول "ص" تفاخره باصوله القومية . و لعل شر تلك الاحاديث قاطبة " احب العرب لثلاث ، لاني عربي ولان القران عربي و لان لسان اهل الجنة عربي " . لو صح هذا الحديث جدلا فانه سيحول اشرف خلق الله طرا الى شخصية نرجسية كل همها التفاخر القبلي الجاهلي وحاشا محمدا ان يكون ذاك . العمود الذي ينتصب عليه انهيارنا اليوم هو هذا التفاخر الجاهلي الفارغ الذي حاولت الرسالة المحمدية الشريفة هدمه وتقويض اركانه من اليوم الاول . لكنه عاد واستفحل واعادنا الى قرون ما قبل الجاهلية الجهلاء . في العراق الذي تمتد حضارته الى الاف السنين لا توجد اساءة او شتيمة اليوم اوقع على النفس من ان يقال لك "عجمي" فتكون وكانك تلقيت طعنة نجلاء في خاصرة شرفك . و هذه التهمة كافية لان تجعلك تعيش معها حياة تحسد فيها المحاصرين في شِعب ابي طالب . فاذا كان الامر في العراق المتحضر هكذا ، اذن كيف سيكون عليه الامر في مجتمعات البداوة ورقصات العرضة بالسيوف في الجنادرية و سباقات الهجن الدولية !!! اهدّموا أركان هذا الكيان الهزيل المتجذر في الرؤوس والنفوس ، يخلُ لكم وجه التاريخ . حينها لن نحتاج لتبرير تخلفنا الحضاري ، الى اختلاق مؤامرة اسرائيلية مزعومة هنا ، او صنع قصة عن استهدافنا اميركياً هناك . في داخلنا ميتات جاهلية لكل متردية ونطيحة وموقوذة ، فلنستأصلها اليوم بعيدا عن التفاخر والتنافخ الاجوفـَين " باللهجة العراقية فاشوشييَن" . وحسبنا ما علقنا من اسباب الفشل على شماعة نظرية المؤامرة التي اوصلتنا الى هذا الحضيض الذي تلفظه قنوات المياه الثقيلة تعففا . للجميع اقول ما قاله عبد الرزاق عبد الواحد في القاهرة ذات يوم : فان تريا اني تجاوزت ضفتي ... فبي حاجة الانهار للفيضان ِ . و هذا والله من تجلياته شافاه الله وعافاه . و شكرا لعروبتنا الخادعة الف شكر
مقالات اخرى للكاتب