مازلت اذكر ، وكيف انسى ، انه وفي عام 2004 تحديدا شاءت اﻷقدار رغما عني ان ألعب على مسرح الحياة واﻷحداث العراقية الدامية التي ﻻتنتهي، دور دون كيشوت ، بابا نويل ، امير الصعاليك ، وكنت أدور كما الرحى باحثا عن مأساة ليست كغيرها على فظاعاتها ها هنا او هناك بعد تعهد مؤسسات خيرية - حقيقية وليست وهمية - بمد يد العون اليهم وكل مأساة موجعة كنت اعثر عليها كانت تنتهي بـ " مقال " او تحقيق صحفي ابرزها حكاية مريم " تلك الطفلة الجميلة المصابة بضمور العضﻻت التشنجي الحاد والتي تسكن محلة الفضل بجانب الرصافة من بغداد ، كان المرض قد شل اطرافها السفلى اوﻻ ومن ثم تسلل خلسة الى العلوية اليمنى ، ومن ثم الى العلوية اليسرى فشلهما حتى لم يبق منها شيئ يتحرك سوى رأسها تماما كعالم الفيزياء الشهير ، ستيفن هوكنغ ، طلب مني احدهم بعد ان يأس اﻷطباء من عﻻجها مجرد كرسي متحرك ﻷصحاب الشلل الرباعي - الوزارات أنذاك كانت مسروقة ومحوسمة بأستثناء النفط والمالية والخارجية منها كونها - ام الخبزة- للعلوج ، المصانع مفككة ومنهوبة ، المدرعات والهمرات اﻷميركية وشركة بﻻك ووتر تقتل في كل مكان بدم بارد وتزرع الحرية والديمقراطية على طريقتها مباشرة في قلب - الضحية- ليسشعر حرارتها عن كثب ..مر اسبوع ..اسبوعان ..ثﻻثة اسابيع فقدنا خﻻلها اﻷتصال بالجمعيات الخيرية اﻵنفة فقررنا جمع المبلغ المطلوب لشراء كرسي متحرك في عراق - واقف ويراوح مكانه -بدﻻ من اﻷنتظار ولما تم الشراء كلفت بإهداء الكرسي الى مريم بأعتباري - بابا نؤيل ..كومبارس - ذهبت الى منطقتها وقلت اين منزل مريم ؟ قيل لي " لماذا؟ " قلت الكرسي المطلوب وصل !!" قالوا " مريم ماتت قبل ثﻻثة ايام ارجع بالكرسي والسﻻم !!
عدت بالكرسي المتحرك ادارجي بأنتظار مريم اخرى مصابة بذات المرض - ضمور العضﻻت التشنجي الحاد - تجلس عليه فلم تتحقق امنياتنا ولم نلحق ..الكل يموت .. يهاجر .. يهجر ...يقتل ..يشرد ، ومرت اﻷيام واذا بطفل جميل يدعى مروان ، اصيب بشلل من جراء صاروخ اميركي اطار عصفه جسده النحيل فأرتطم رأسه بقوة بالجدار ، فشل على الفور ..وﻻعﻻج في العراق قلت لوالده العاطل عن العمل هذا - عرش مريم ، اجلس مروان عليه ..بأنتظار الفرج ...كتبت عن مريم مقال بعنوان : " من قتل عذراء العراق ..مريم ؟؟؟" ونشرته ..صورت فيديو عنها في سلسلة " صرخة قلم " فأتصلت بي على الفيس امراة كريمة " قالت " ابنتي ايضا مصابة بمرض مماثل تقريبا لمريم وقد احزنتني قصتها !! قلت لها ما اسمها ؟ قالت جنات !!
ومنذ ذلك الحين وانا متفاعل مع جنات ولوحاتها وصفحتها ..اكراما لها ولذكرى مريم ..اليوم ماتت جنات الرسامة فأنقطع الخيط ..هدم الجسر .. اتسع القبر ، ضاق الصدر ، ولم يبق لي سوى " مروان " ، سيدي مروان ..ايها اﻷمير الصغير المشلول ارجوك ﻻترحل ، ﻻ تلحق بهن ..لمن سنكتب ونعيش اذن !!
مروان ومريم وجنات ليسوا افرادا ﻻ ..جماعات ولدوا ذات حرب ..وماتوا او مرضوا جرحوا ذات اخرى تناسلت من سابقتها ..ولما تزل حروب العراق العبثية ، الهمجية ، النفطية ، الميليشياوية ، اﻷستعمارية ، اﻷجرامية ، تتناسل وتتكاثر فيما تجارها يزدادون ثراء ونفوذا وجاها وسلطانا ..وستظل حروبنا بغير مشروع وطني عراقي حقيقي لﻷنقاذ مستعرة تقول لنا - نحن حطبها - بأكف حمالة الحطب ...هل من مزيد ؟! اودعناكم اغاتي
مغنيات منفذ طربيل الحدودي نعيم عبد مهلهل في الحضارة الطرب بعض اوجه التعبير في الحياة ، الرجال فيهعشر اضعاف الاناث في بوح حناجرهم ، ولكننا مع صوت المرأة نحتفظ بشجن غرام خاص يعيد الينا الذكريات بعاطفة الرسائل ، ومع صوت الرجل يؤم الينا نحيب الحروب أو دمعة لمواويل ازمنة ارتدت الخوذة او معطف سفر وراحت تبحث عن بحة رياض احمد في شقق الغربة او تخوم امكنة الوطن الوطن ، وفي الحالتين .الروح مع المغني ( الرجل والانثى ) تستعيد توازنها ، وتستطيع ان تتخلص من حالة الضيق فيها وتهدا وترتاح قليلا .كما نفعل نحن ابناء الغربة عندما نبحث عن مواعيد تبث بها القنوات التلفازية اغاني أم كلثوم..لكن رفض المغني ليكون صوته مهجرا هو من بعض الوجوه الوطنية لهذا المبدع ، ومن بعض ما كان يهمس في خمسينيات بغداد أن احدهم نصح سليمة مراد المطربة من اصل يهودي للذهاب والاشتهار في ملاهي وبارات تل ابيب .؟ردت عليه :واترك جنتي ليل بعداد .؟وربما لكل بلد مطربيَّ منافيه ومهجره ، وأظن أن مطربي المنفى العراقي قديما كان ولم يزل الرجال فيه اكثر من الاناث ، وكما اتذكر كان هناك فؤاد سالم وجعفر حسن وكمال السيد وقحطان العطار وسعدون جابر وكاظم الساهر ، ومن النساء كانت هناك انوار عبد الوهاب ، ولحقتها مائدة نزهت بعد 2003 ومطربة المقام السيدة فريدة ولكن الفنانتين لزمتا الصمت ومثلهما فعل قحطان العطار عدا الفنانة فريدة التي اشتهرت عالميا كسفيرة للمقام العراقي .هؤلاء يليق بهم المنفى أو المهجر أي كان نمط ما اختاروه لحياتهم ، لأن لهم أصولا عريقة في انشاد الحنجرة على مستوى ذائقتها الطربية والثقافية .ولكن المشكلة اليوم في اكوام المطربين التي تطوح بهوس السكارى في بارات عمان وبيروت ودبي ، ومنهم الكثير من الاناث اللائي اصواتهم بالجمع لاتشبه سوى الطرق على ( التنك ) والسكراب ، وقد تميزن بالاجساد الثخينة والكروش والبحة المزعجة وتبث اغانيهن على مدار الساعة في قنوات تلفازية هي ايضا تعتقد انها هاربة من الخوف الذي سكن حناجر المتكرشات عندما غامرن وبدأن الغناء في بارات الكرادة وبعض مطاعمهما .وحين تم اغتيال بعضهن وهن في شققهن او اثناء انتهاء وصلاتهن العنائية ، عبرن طربيل خائفات ومنقبات ، وهن يعتقدن انهن عبرن الى المنفى .هذا الجيل المرعب من الاصوات النشاز الاناث والذكور والائي اعتقدن أن تخطي طربيل هو الوصول الى المنفى وموافقات اللجوء الفني في ليل موائد اغلبها يترنح على مصاطبتها لصوص وسراق المال العراقي يمثل بعض صور العراقي المختفي وراء الكواليس والذي لايريد أي واحد أن يشير اليه .أنه عالم عجيب من المساومات والصفقات والسكر والعربدة وبذاءة ان تتحول القصيدة الشعبية مثلا الى انموذج لثقافة ماوراء الحدود وخصوصا في هذه العواصم الثلاث .ليالٍ حمراء تصبغ وجهها بعمليات التجميل وقد انحدرت من بقايا ذلك الجمال الغجري الساحر ايام ازمنة بنات الريم وحمدية صالح لنسمعه الآن مشوهاُ وعقيما و ( مزنجر ) ولايمنحنا لذة النشوة والخيال عدا السكارى الذين قد يتبولون داخل بناطيلهم الغالية ، ليس من نشوة السماع بل من كمية البيرة المغشوشة التي يشربونها في تلك الملاهي الصاخبة.ظاهرة مغنيات منفذ طربيل ، ظاهرة عجيبة وغريبة ، فأحدى قنواتها والتي تسمى قناة الشباب وهي تحمل ذات (اللكو) الذي كانت تضعنه قناة الشباب التي تم تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي لتشارك في البث اليومي القناة العراقية الاولى والثانية وفضائية العراق ، وهذه القناة التي مقرها عمان تتصرف بشكل غريب عندما تحجب تلك الاصوات النشاز عن شاشتها بدءا من الاول من محرم وحتى اربعينية الحسين ع ، فلا تبث سوى ردادت وقصائد باسم الكربلائي ومحاضرات الدكتور الوائلي وفي ليل محنة ابي الفضل طوال اليوم يصدح الرادود المرحوم وطن برائعته الشهيرة ( انا ام البنين ودهري ذبني ).وبعد الاربعين تعود هذه القناة الى سابق عهدها مع صاحبات الكروش والحناجر الصدئة .صورة النقيض هذا آتية من صورة المتغير العراقي ومتناقضاته وغياب الرقيب الفني الذي يجيز للاصوات الجميلة لتؤدي اغانيها فيما ترمى بقية الاصوات الرديئة الى خيام العجر خارج حدود المدن او يذهبوا لأنس السكارى ...!
مقالات اخرى للكاتب