قيمنا وتعاليمنا نحن معشر الشعراء والكتاب تبدأ بالعشق والثورة والانسانية وتنتهي على اعتاب الحضارة وما بين هذه الاحلام والاوهام التي نصنعها بأقلامنا بقلوبنا بعقولنا الكثير من الحزن والوجع واليأس فهذا هو قدرنا نحن المبدعين فمن ينخرط في سلك الاقلام والاوراق البيضاء سيكون مصيره كمصيرنا وجع مزمن الم قاتل يأس لا مثيل له فتجربتي كمنخرط طواعية في هذا العالم جعلت موازين حياتي تسير عكس يوميات الافراد العاديين الاصحاء فكريا فكل مهنة او عمل او تجربة لا بد ان يكون لها ايجابيات وسلبيات لكن موهبة ومهنة وتجربة الابداع بكافة اشكاله وصنوفه جعلتني افقد تلك المرونة والنعومة في يومياتي وبدلا من ان اكون حاملا لهذه الصفة ها انا استشعرها في المحيطين حولي فالفرق بين هذين الصنفين من البشر لا يتعدى سوى كونه ان الاول انسان عادي يأكل ويشرب ويمارس طقوس يومياته بلا قيود وحواجز فكرية بينما نحن معشر المبدعين لا نفعل ذلك لاننا تجاوزنا تلك المرحلة المعقدة من فوضى الحياة فما نقرأه من فكر وفلسفة وثقافة نطبقه على ارض الواقع هنا تكمن الطامة الكبرى الاصطدام بالوهم فالواقع شيء بينما المذكور في الكتب شيء اخر وبالتالي لا يبقى لنا مفر سوى الكتابة والرسم على الورق في النهاية نصنع كومة من الحروف والكلمات تنقل صورة عبثية فوضوية عن المشهد المرير والاليم الذي نعيشه نحن المبدعون في احشائنا بداية بالعقل نهاية بالوجدان والضمير .
لذا دائما ان اقول ان مهنة الابداع ايا كانت صورها هي مهنة الباحثين عن الوجع والالم والحزن فلا يوجد على سطح الكرة الارضية اتعس منا نحن الشعراء والكتاب نحن نحترق كلما نكتب ونضمد في ذات الوقت جراحنا في الوقت الذي نرش الملح على جرح اخر في مكان اخر من جسدنا الفكري والثقافي فمشاعرنا وعواطفنا تبوح بكل شيء بل تتخطى في سرد اللهفة والاشتياق والحلم والوهم حيث لا توجد اسرار وهل لنا المبدعون اسرار.....يضحكني مفهوم السرية في الادب والفكر والفلسفة لانني لم اضع له اعتبارا له قيد انملة ولما اضع له اعتبارا فما ينطق به عقلي وقلبي يجسده قلمي فوق الورق الابيض وهذا رقي وسمو لقيمة المبدع في ذات الوقت هو اجتياز للسلوكيات الادبية والفكرية الكلاسيكية التي تعلمنا منها كيف نكون مبدعين وكيف نصنع منها بصمات تلو البصمات في عالم الابداع ......فالمجد للابداع رغم انه زرع الوجع والالم والتعاسة بداخلي لكنه حررني من القيد الذي اراه متشبثا في عقول وقلوب الكثيرين من البسطاء فالحرية هي ارفع مكانة يصل اليها المبدع حتى وان كانت تحمل وجه الوجع والالم والتعاسة كماركة مسجلة فوق جداريتها فالحرية حرية مهما غربلتها الازمنة والعصور تبقى هي ذاتها وهذا هو الوجه الاخر للابداع .
في المحور الاخر لنصي
اعتقد بل اكاد اجزم ان لا احد مثل المبدع يذرف دموعا وتجربتي خير دليل على ذلك فبقدر ما نقشت على الورق حروفا وكلمات ذرفت اضعافها دموعا واهديتها لمن اكتب ان كانت للانسانية للحضارة للعشق للحبيبة للطفولة للفقر للوجع ..... فالكتابة بلا دموع لن تختزل المشاعر والاحاسيس بمساحتها الكلية فلا بد ان ينجرف المبدع وراء دموعه لكي يستخلص منها اعذب لحظاته برفقة القلم فالدموع كانت ولا زالت رفيقتي التي ما ان اعلنت عن الشروع في كتابة مادة او نص اراها تسابق ظل الحرف والقلم فبقدر ما نحمل نحن المبدعون من اثقال فوق شرايين قلوبنا وعقولنا فأن الدمع يساهم بجزء كبير في ازاحة بعض هذا الثقل عنا فالعملية لا ارادية وماهي الا لحظة صدق تذرفها العين بصحبة رقي وسمو الروح اثناء الكتابة .......
فليس هنالك اشهى من كتابة قصيدة للحبيبة البعيدة ويكون الدمع حاضرا مع حبر القلم فأي لقاء سيكون بعد فراق ووداع لا سيما انه كان مليئا بالاشتياق والشوق والاحلى من هذا مزركشا بالدموع وكم هو نقي ذاك القلم الذي يسطر حروفه في الانسانية والجوع والفقر انه نقاء ينقل ملحمة فكرية فلسفية اما ان الحضارة فهي تستحق منا المبدعين ان نحفر لها انهارا من الدمع لا لانها انجبت الاجيال تلو الاجيال بل لانها اورثتنا قيمة الاجيال التي سبقتنا والتي تعلمنا منها ان نكون الافضل وان نصنع من انفسنا نسخة طبق الاصل لكنها معدلة ومنقحة من اخطاء القرون الغابرة التي لم تحمل لنا سوى الحروب والكوارث والمجاعات والامراض لذا عندما اقضي فوضى يومياتي بعيدا عن الابداع اشعر بأنني مريض وبحاجة لدواء لانني ارى ما يدور في هذا العالم عبر شاشات التلفزة العجائب والغرائب وما ان يسمح الوقت لي بقضاء فترة نقاهة بعيدة عن الفوضى التي تعيشها البشرية اهرع للكتابة تارة اكتب قصيدة لحبيبتي ومرة اتغزل بها في قصة قصيرة اسرد فيها بعض مغامراتي المشفرة معها واخرى اكتب مقالا او نصا فكريا كهذا النص اقول فيه ما اريد وما اشاء وبين هذا وذاك تصدح دموعي احتفالا بنصر قلمي فدواء المبدع الكتابة وان كان هنالك داع لاضفاء لمسة خاصة عليها فمرحبا بالسجائر والشاي والاحلى من الشاي في نهايات المساء فالبكاء بحرقة والم ووجع يبعث في الجسد والروح قيمة الاشياء التي فقدناها وهل من مبدع لم يفقد شيئا في مضمار ماراثون الحروف والكلمات انا عن نفسي فقدت الالف والياء وبما انني اكتب فأنني اكتب للالف والياء وان ذرفت دموعا فمن اجل الالف والياء هكذا بدأت من الالف والياء وهكذا سأكتب الى الرمق الاخير في الالف والياء .....
وما الالف والياء الا حرفين وما بينهما بحر انقل مشاهد منها الى قصائدي وقصصي القصيرة ومقالاتي ......
مقالات اخرى للكاتب