مدخل
=======
لبناء القوة اوجه متعددة كالعلوم والتكنلوجيا والاقتصاد والمال وغيرها , ولكن المقصود هنا هو بناء القوة العسكرية او الدفاعية او الحربية او الترسانة العسكرية , وتشمل القوات المسلحة بعقيدتها العسكرية ومؤسساتها وتسليحها وتجهيزها وتدريبها وانظمتها وخططها واستعدادها وصولا للتأهب وفق منطق يقول (احمل عصىً غليضةً وتكلم باسلوب مؤدب ).
ان المقصود بالقوة هنا , هي القوة الملائمة للمعركة مع العدو ونوع التدريب والتجهيز والسلاح والمعدات والوحدات والقياده والسيطره ونكون على معرفه كامله ونتجنب المباغته ونتهيأ بشكل دقيق للمعركه ونحشد جميع الطاقات والامكانيات للحرب ونضع الشعب على بينه من الامر ويقوم الاعلام بتهيئة الشعب وتحضير عقول الناس الى الخطر و الاستعداد التام للمواجهة.
ان الاستخبارات الذكية هي التي تحدّث معلوماتها وتثبت احداثياتها وتحتفظ بأبرز واهم الاهداف الحيوية ومنشئات العدو الاساسية بشكل مستمر كما تهدف من بناء القوة الى القدرة على مواجهة التحديات والازمات والتهديدات , مع الاقتصاد في القوة بانتاج سياسات منطقية للافادة من القوة وتكييفها , حسب المهام , في السلم والحرب , فالاستخبارات تجعلك صاحب علم واطلاع عن عدوك فتستعد على اساس معرفي بلا اسراف او تقليل , ولكن يبقى اهم واجب للاستخبارات هي الانذار المسبق لمنع المباغتة.
ولانريد هنا ان نتحدث عن الشوون التنظيمية لبناء القوات المسلحة برغم اهميته كعلم يدرس في الاكاديميات العسكرية , وانما سنركز عن كيفة معرفة ما نحتاجه من قوة عسكريه , مع الاخذ بالحسبان ان القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والمعرفية والتنمية والتحالفات وغيرها تدخل كلها في حساب ميزان القوى , لكننا نريد التركيز حول دور الاستخبارات في بناء القوة العسكرية والامنية وفق اسس علمية بلا افراط او تفريط.
ومن ابرز الامثلة عن غياب المعرفة بقدرات العدو وطاقاته وتطور قوته وفشل الجهد الاستخباري ومتى سوف يستخدم العدو قوته هي حرب الايام الستة التي وقعت بين اسرائيل والدول العربية وحسمت المعركة خلال 6 ايام في حزيران عام 1967 حيث استطاعت اسرائيل تدمير عدوها واحتلال الارض ومباغتة الجيوش العربية.
كما ان من ابرز الامثلة الحقيقية عن بناء القوة المفرطة غير المدروسة هو جيش الاتحاد السوفيتي السابق الذي اخذ بالتوسع والتضخم دون تخطيط سليم ودون ملاحظة الموارد , وغفلت الاستخبارات عن التهديد الداخلي والتآكل المجتمعي والضغط الاقتصادي , فأدى ذلك الى انهيار الدولة وانحلالها لعدم مطابقة القوة مع مستوى التهديد , فسقط الاتحاد السوفيتي رغم امتلاكه لاكبر ترسانة نووية في العالم.
================
عوامل بناء القوة
================
هنالك عوامل كثيرة تدخل في ميزان بناء القوة عند الدول ابرزها :
1- النظام السياسي .
2- الجغرافيا .
3- التهديدات الداخلية والخارجية .
4- العدو او الاعداء المحتملين .
ولاشك من ان ثلاثة من تلك العوامل الاربعة تدخل في مجال عمل الاستخبارات بشكل كامل وتكاد تكون الاستخبارات هي المسؤولة عنها وعن معرفتها وحسابها ومعرفه مستوى التهديد فيها وتفاصيل التهديد وكيف يمكن اضعاف التهديد قبل تحوله الى خطر واين يمكن استخدام القوة وحدودها.
ان معرفة العدو واسلوب تفكيره وحتى نظامه السياسي والجغرافيا وقوته ودراستها وتحليلها بشكل دقيق يجعل مواجهته والتغلب عليه قابله للتحقق بشكل افضل , لذا فإن الدوائر الاستخبارية تسعى لبناء مراكز تحليل وتجزئة واستنتاج وتركيب وتدوير وتقرير المعلومات المتحصلة .
ان مبحث الجغرافيا هو الاخر بحاجة الى استخبارات لمعرفة جغرافيا العدو والعدو المحتمل وكل دول الجوار , وقد تكون الجغرافيا الطبيعية معلومة بشكلها العام , لكن البنية الدفاعية التي يبنيها العدو فوق الارض او تحت الارض تحتاج الى استطلاع مستمر , ومنها اهم المنشئات الاقتصادية ومراكز الطاقة والسدود والمواقع العسكرية المهمة والوزارات, وتصنف الاهداف الى عده اشكال منها عسكرية وسياسية واقتصادية او بشكل اخر حسب الاهمية , كما ان من الاعمال المهمة هي مراقبة مشتريات العدو من السلاح والذخيرة والتدريب لانها توضح الاهداف والدوافع والنوايا وعدم اغفال الحداثه والتكنلوجيا عند ترسانة العدو .
وحتى النظام السياسي الذي يحكم العدو , فاننا نحتاج الى معرفة استخبارية بنقاط ضعفه وقوته وابرز شخوصه ومستوى انسجامه وكيف يفكر وماذا ينتهج وكم يتحمل رد فعله الشعبي من خسائر بشرية بفعل الاستخبارات , ولكل ذلك تتشكل مراكز التحليل الاستخباري لغرض تكوين ملفات جاهزة تستخدم عند الحاجة للمواجهة الصلبة او الرد على العدو.
اذن, في كل الموارد الاربعة الموثرة في بناء القوة وتحالفاتها , فاننا نحتاج الاستخبارات بنسب متفاوتة وهامة.
============
معرفة العدو
============
ان ابرز ماتبحث عنه الاستخبارات هي :
1- تفسير عقيدة ونوايا العدو.
2- معرفة بناء قوته وتفاصيلها .
3- معرفة قدرة العدو على وضع الخطط الاصيلة والبديلة.
4- تدريبات العدو .
5- تنظيم العدو .
6- قدرته على الحشد في التعاظم او التراجع (المقصود بالتعاظم هو ادامة زخم التهديد والمعركة , وهل ان اقتصاده وشعبه ونظامه السياسي والجغرافيا وتحالفاته تسمح له بالتعاظم , ام ان هنالك اسباب تدفعه للتراجع).
7- مستوى الاستعداد والتاهب.
8- تدابير العدو .
9- معرفة فخاخ اعلام العدو ومراقبته.
10- معرفة نقاط الضعف والقوة لديه.
11- دراسة طوبوغرافيا المعركة (الالمان صنعوا عجلة بلا راديتر وماء بحكم جغرافيا المعركة في صحراء افريقيا).
فلكي تبني قوة رادعة , عليك اولاً معرفه قدرات عدوك , فقد نضطر الى الحصول على سلاح ما , او نوع من الاسلحة , يكون له تاثير في تدمير العدو ولهذا نقول ان بناء القوه يستند الى الجهد الاستخباري , فمثلاً , بريطانيا (بحكم الجغرافيا )كانت تمتلك قوة بحرية قوية جعلتها الاولى في اوربا ابان الحرب العالمية الثانية , ولمعالجة هذا التفوق ذهب الالمان لامتلاك الغواصات , واصبح سلاح الغواصات مؤثراً ومدمراً للقوة البحرية البريطانية , وهنا يتبين لنا كيف تُبنى القوة على اساس قدرات العدو , والامثلة في هذا المجال كثيرة , فامريكا , بحكم الجغرافيا البعيدة والبحار, ذهبت لانتاج الاساطيل واصبح السلاح البحري عندها يعادل قواتها البرية او اكثر, وكذا الامر مع اسرائيل حيث ذهبت للتفوق الجوي لمعالجة النقص البشري في حروبها مع الدول العربية .
==================
دروس من مفاعل تموز
==================
ان قصة المفاعل النووي العراقي تشير بوضوح الى اهمية معرفة قوة العدو والاستعداد لها بقوة تدمرها , فمنذ عام 1975 , ومع اللبنات الاولى للعقد الشهير بين العراق وفرنسا , عمدت المخابرات الاسرائيليه للدخول في حرب سرية لتخريب المشروع , واستطاعت تجنيد عملاء وقتل علماء في هذا المجال حتى تفجير شحنة من التجهيزات النووية في احد الموانيء الفرنسية.
وبسبب بعد المسافة ( اكثر من 1200 كم ) بين القواعد الجوية الاسرائيلية والهدف في بغداد (مفاعل تموز) , لم تستطع اسرائيل استهداف المفاعل بضربة جوية لأنها لم تكن آنذاك تمتلك طائرات لإتمام هكذا مهمة , فاحتاجت لبناء قوة تمكنها من تنفيذ هذا الواجب .
وجائت الفرصة المواتية عام 1980 , فبعد ان رفضت امريكا تزويد ايران بطائرات ف16 حسب العقد الموقع مع شاه ايران (بسبب الثورة الاسلامية), سارعت اسرائيل الى شراء هذه الطائرات التي مكنتها من ضرب موقع التويثة النووي في ضواحي بغداد في 7 حزيران 1981 , بعد ان استطاعت ثمانية طائرات ف16 من اجتياز الاراضي الاردنية والسعودية وتدمير الموقع بشكل كامل بعملية نادرة.
لقد كان للنصر الاسرائيلي وجه آخر يتمثل باخفاق واضح من قبل الاستخبارات العراقية التي لم تكن تعلم بشيء ولم تتهيأ بأي سيناريو او احتمالات لذلك , فبرغم الاستعدادات الدفاعية الهائلة في بغداد وضواحيها (بسبب الحرب مع ايران) الا ان المباغتة كانت كاملة , ولم تتعرض الطائرات الى اي رد ارضي او جوي فعال.ان ماحدث في حزيران عام 2014 يشبه كثيرا ماحدث في حزيران 1967.. عندما تفاجأ الشعب العراقي بأن مؤسسته العسكرية والامنية كانت غافلة ( بل نائمة ) لا تلاحظ تطور بناء القوة لدى داعش رغم علنيتها واعلانها دولة العراق والشام وسيطرتها على مساحات كبيرة من الاراضي السورية المحاذية للحدود معنا , ورغم انهيار المؤسسة الأمنية وفشل الانتشار وسقوط المناطق الحدودية , ولم تحرك المؤسسة الامنية ساكن , وأطل احد كبار المسؤولين الامنيين ليقول للشعب ان مخزون الاسلحة في الفلوجة يكفي لتدمير العراق وكأنه غير معني بالموضوع .
فأخفقت مؤسستنا الاستخبارية من اختراق ومعرفة تطور بناء قوة العدو ونواياه ومتى يريد استخدام القوة , وخلال عدة ايام خسر العراق اراضي اكبر مما خسرته سوريا والاردن ومصر عام 1967 وكل ذلك بسبب ضعف القيادة السياسية وفشل الجيش وخواء منظومة الاستخبارات , ووقعنا بالمباغتة ومن ثم انهيار المعنويات وهروب الجيش وترك الناس بيد القتلة والمجرمين , فلا انتشار صحيح ولا استعداد وتدريب وفساد منتشر واستخبارات عمياء وطبقة سياسية غارقة بملذات السلطة.
==================
التشويش على العدو
==================
ان معرفة حقيقة العدو او الخصم يجب ان تكون من خلال الاستخبارات ولا تكون عبر اعلامه او دبلوماسيته او حركته الظاهرية الخادعة , وتسعى الحكومات من خلال استخباراتها واعلامها الايقاع والكذب على الخصوم بعدة طرق .. منها التضخيم الاعلامي(راجع مبحث 46 احتواء مصادر العدو).
ان احتواء مصادر العدو يتم بعدة طرق واساليب منها التأطير والتدوير والتاثير والانذار او الاستنفار, وبهذه الطرق والحرب النفسية وانتاج معلومات غير صحيحه يحاول العدو الايقاع باجهزة الاستخبارات ودفعها الى كتابه تقارير غير صحيحة تجعل قيادتها السياسية مرتبكة وعاجزة عن فهم الواقع والصحيح فتتبعثر خارطة قوة العدو امامها وتجعلها تتخذ قرارات مغلوطة في الاستعداد وبناء القوة بالتعجيل او الابطاء او اللاعقلانية.
وهو ماحصل عندما توهمت الاستخبارات الروسية بمشروع حرب النجوم الوهمي الامريكي فسعت لسباق التسلح وانفقت القياده السوفيتية كل مواردها في مواجهة هذا الخطر (الذي هو غير موجود وضرب من الخيال )وضاعت المليارات من الدولارات على محاوله فاشلة في بناء القوة مقابل عدو وهمي.
وكما حدث في انزال النورماندي حيث استطاعت الاستخبارات ان تتلاعب بعقل الاستخبارات الالمانية وجعلت محللي الاستخبارات عاجزين عن تحليل هدف الحلفاء ومكان هجومهم طيله اشهر حتى اقترح احد جنرالات هتلر ان يقوم الجيش الالماني بترك الساحل والتجمع على مشارف باريس بسبب نقص المعلومات وعجز الاستخبارات عن معرفة نقطة الهجوم , وكانت باستمرار تزود هتلر بعده اماكن قد تكون هدفا , مما اضطر القيادة الالمانية برفض نصيحة الجنرال وتوزيع الجيوش على طول الساحل , وعندما حدث الخرق في انزال النورماندي الشهير , كانت الجيوش الالمانية في مواقعها على كل السواحل بلا عمل , واصبح العدو في غضون ايام على مشارف باريس .
========
خلاصة
========
ان بناء القوة يحمل استخبارات اي بلد ثلاث مهام اساسية , الاولى متابعة العدو والعدو المحتمل في السلم والحرب لمعرفة خططه ونواياه وبناء قواته , والثانية ان تعطي تصورات للقيادة عن ماتحتاجه قواتنا من اسلحة تتفوق على العدو لتحقيق التوازن ضمن المنطقة , والمهمة الثالثة هو العمل على ان تشوش على العدو المعلومات الخاصة ببناء القوة في البلاد لغرض ايهامه واخفاء اوتضخيم الحقائق لديه , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب