مدخل
========
لانجانب الصواب اذاماقلنا ان الاستخبارات (كجهاز للمعلومات) تدخل في كافة نواحي الحياة الخاصة بالدولة والمجتمع , لاسيما تلك التي تمس بشدة مصالح الوطن .
ولأن الاقتصاد هو محرك اساسي وراء أغلب الصراعات العالمية ومن أبرز دوافع السلطة والهيمنة في العالم , ولأن الأهداف الاقتصادية كانت دوماً ضمن نظر واهتمام الدول .
لكل ذلك كان لابد من الاهتمام بالمعلومات الاقتصادية , من خلال استخبارات متخصصة تأخذ على عاتقها كل مامن شأنه حفظ الاقتصاد الوطني من التخريب , ومعرفة كافة المناحي الاقتصادية للعدو والعدو المحتمل , والدفع باتجاه التخريب الاقتصادي للعدو , وسرقة كافة ادوات التقدم الاقتصادي الموجودة في ابحاث ومختبرات وعقول الدول الاخرى سواء كانت عدوة او صديقة بالاضافة الى التنبؤ والاستشعارات والتوقعات .
ومن هنا يقول "شيرمان كنت" الخبير بـ"مكتب الدراسات الإستراتيجية الأمريكية" سابقاً، ورئيس "مكتب التقديرات القومية" بالـ(CIA)،: "يجب على جهاز الاستخبارات مراقبة ما إذا كانت هناك محاصيل جديدة، أو تطوير للطرق الحديثة في الزراعة، أو تغيير في آلياتها، أو في استخدام الأرض والسماء؛ لخدمة هذا، ومتابعة مشاريع الاستصلاح الزراعي، وما إلى ذلك، كما يجب أن نتتبع اكتشاف أي تقدم علمي جديد، ونشوء أية مصانع أو مناجم جديدة".
========================
مهام وامكانات الاستخبارات الاقتصادية
========================
كل عمل استخباري يقسم من حيث المهام الى استخبارات هجومية واخرى دفاعية , ومن حيث الحدود الجغرافية ينقسم الى استخبارات داخلية واخرى خارجية .
ولاتستثنى الاستخبارات الاقتصادية من هذا التقسيم , حيث تنقسم مهام الاستخبارات الاقتصادية الى مهام داخلية وأخرى خارجية .
فالداخلية تكون مهمتها حفظ البلاد من التخريب والتجسس الاقتصادي بشتى انواعه, اما الخارجية فهي على ثلاثة اوجه تبعاً لتصنيف الدول التي يتم التعامل معها .
فبالنسبة للعدو المحتمل , كدول الجوار, فيتم التجسس الاقتصادي عليها ودراسة اوضاعها الاقتصادية بدقة , واما بالنسبة للعدو المعلن فلايتم الاكتفاء بالتجسس الاقتصادي عليها وانما يتعداه الى التخريب الاقتصادي (الهجومي) بكافة الوسائل بغية تركيعها اقتصادياً , واما مع بقية دول العالم الاخرى بما فيها الصديقة فالامر ينحصر بالتجسس الاقتصادي على كافة المستويات , ففي الاستخبارات الاقتصادية لامجال للصداقات .
نخلص من ذلك ان للاستخبارات الاقتصادية الخارجية ثلاث مهمات :
1-ضرب اقتصاد العدو .
2- التجسس على التقنيات الاقتصادية للعدو ودراسة وضعه الاقتصادي لمعرفة أثره وسرقة المعلومات التي تفيد في تقوية اقتصادنا .
3- التجسس الاقتصادي على أية دولة للحصول على تقييم عام للدول وسرقة الأفكار والتقنيات والمعارف والاختراعات التي تدفعنا في التقدم الاقتصادي .
أن الواجب الثالث يصح العمل به على أي بلد حتى البلد الصديق والحليف ومثال ذلك التجسس العلمي والاقتصادي الإسرائيلي على أمريكا وعلى فرنسا وهم حلفائها وهو الأمر الذي يتداخل مع التجسس العلمي.
لذا تحتاج دوائر الاستخبارات الاقتصادية الى مهارات تخصصية متمكنة من اساليب التفكير الاستراتيجي، والإستخبارات الاقتصادية الهجومية، وإدارة المعرفة، والسيطرة علي المخاطر المعلوماتية وتقوم تلك الكوادر باستخدام وسائل المعلوماتية - خاصة الإنترنت والتقارير السنوية التي تصدرها الشركات، فضلا عن استغلال الوسائل التجسسية التقليدية من عملاء وتنصت ومراقبة .
===================
تطور الاستخبارات الاقتصادية
===================
لعل أول وحدة استخبارات اقتصادية مستقلة كانت قد تشكلت في بريطانيا عام 1946 ويشار إليها بل EIU , كما تعد مدرسة الحرب الاقتصادية في فرنسا الأشهر في تدريب عناصر الاستخبارات الاقتصادية .
وتحتل أمريكا المرتبة الأولى في التجسس الاقتصادي عالمياً , وتهتم بهذا الجانب الدول العشرون الأولى في العالم في المجال الاقتصادي وكذا الدول النامية التي تمتلك قوة اقتصادية محلية.
وتختلف الدول المتقدمة في مجال الاستخبارات الاقتصادية ادارياً , فالبعض منها أسس وحدة استخبارات اقتصادية مستقلة والبعض جعلها ضمن الاستخبارات الخارجية والبعض الآخر خَصخَصَ هذا العمل ومنحه إلى شركات غير حكومية مختصة بالدراسات والمعلومات الاقتصادية.
حيث تتمتع مراكز الدراسات في الدول المتقدمة بعقود كبيرة مع أجهزة الاستخبارات للحصول على أحدث المعلومات الاقتصاديه حول العالم وتبحث في دراسات الدكتوراه والإفادة من أبرز العقول الاقتصادية النافذة في أكبر الشركات العالمية التي تدير الاقتصاد العالمي.
وتأخذ هذه المراكز أو المؤسسات العلمية على عاتقها التجسس والبحث في المجال الاقتصادي وارتفاعه وانخفاضه وتطرح الحلول , ولذا تعرف الدول الكبيرة الموقف الاقتصادي لعدة أعوام مقدماً , أي أنها تقرأ المستقبل وتنظمه وتخطط له.
اما في عامة البلدان (غير المتقدمة ) , فينحسر الدور من الاستخبارات الاقتصادية إلى الأمن الاقتصادي, لانها لا تبحث عن الاقتصاد و اخباره , بل تريد أن تحصن نفسها كدولة وشعب من أضرار الاقتصاد .
وتستخدم الشركات الكبرى في العالم أحدث التقنيات والوسائل التكنولوجية المتطورة المشروعة وغير المشروعة في التجسس علي الشركات المنافسة لها على مستوى العالم.
وقد تنبهت العديد من الدول، لا سيما المتقدمة منها، إلى تلك المخاطر، فلجأت هي الأخرى إلى عدة وسائل دفاعية لحماية مصالحها الاقتصادية والحيوية، كان من بينها تعمد إصدار تقارير وبيانات غير صحيحة، لتضليل الجواسيس المتربصين بالبيانات والاخبار الاقتصادية.
اما في الجوانب الايجابية التي تساعد على الهيمنة الاقتصادية , فانه في البلدان الكبرى يكون الزعيم السياسي أحد أدوات رأس المال عكس الحال لدى البلدان المتخلفة حيث يكون رأس المال اداة لأصحاب السلطة.
ففي الدول الكبرى نرى اصحاب الشركات يرافقون الرئيس في زياراته للبلدان المستهدفة اقتصادياً.
====================
نتائج الهيمنة الاستخبارية
====================
الاستخبارات الاقتصادية توفر المعلومات اللازمة وتوفر أفضل السبل لتدمير الاقتصاديات الأخرى وهو امر واقع حيث ان برميل النفط الذي ننتجه لا يتجاوز 50 دولار , فيما نستورد قنينة عطر لا تتجاوز 250 مل ب 300 دولار , اي بقيمة ستة براميل بترول!!!!.
لقد دأبت الدول الكبرى للبحث عن أسواق أو إنتاج أسواق من خلال حروب دموية منذ عصر اختراع الماكنة البخارية ,فالحروب والصراعات الداخلية والخارجية تعتبر من أهم الأساليب لإنعاش الشركات الكبرى وخاصة شركات الأسلحة والتجهيزات الحربية.
فالدول صاحبة الاقتصاديات الكبرى في العالم لا تسمح لأي منافس جديد سوى أن يبقى سوقا لها مستهلكاً لمنتجاتها.
لذا فان الدول الكبرى ترعى دوماً انظمة تضمن بقاء النزعة الاستهلاكية لشعوبها , إذ يجب أن تبقى دول أفريقيا والشرق الأوسط (المنتجة للنفط) دولاً فقيرة تعاني رغم ثرواتها .
وغالبا ما يكون حكام تلك الدول مستمتعين برشى يتقاضونها من الشركات العالمية مقابل تدمير بلدانهم بشتى القيود والعقود الاقتصادية كي تبقى الدول الصناعية الكبرى هي المهيمنة على الاقتصاديات في العالم.
================
فشلنا في العراق
================
العراق بلد معاق اقتصادياً بسبب السياسات الخاطئة والفاشلة والاحزاب والمافيات والحكومات المتعاقبة التي كان لها الدور الاكبر في تدمير اقتصاد البلد.
حيث يعاني العراق من فقدان الهوية الاقتصادية وعدم ترتيب الأولويات الاقتصادية وفشل مفهوم الخصخصة وسيطرة المافيات السياسية التي تعبث بمقدرات البلد.
فبعد انهيار سلطة الدولة أصبح العراق سوقاً مفتوحة , بلا ضوابط ولااشتراطات, لكل البضائع الرديئة من دول الجوار دونما مقياس وسيطرة او جودة اوسلامة او معايير اوشروط اوحتى ضرائب .
وفي هذه الفوضى أنتجت الحكومة مؤسستين للأمن الاقتصادي في وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني اضافة الى جهاز التقيس والسيطرة وسلطة الجمارك بالاضافة الى الرقابة في وزارتي الزراعة والتجارة , وكلها أجهزة أمن اقتصادي لكنها لم تكن قادرة على ضبط المستورد.
ان فشل الحكومة في تفعيل استخبارات اقتصادية جعل الشركات المفلسة والمصارف الغارقة بالديون تسارع إلى التواجد في العراق لاستنزاف موارده .
والغريب أن البعض من هؤلاء يسرق ويشتم العراق , بل ان تركيا تحتل أرضنا فيما تعمل شركاتها في العراق وفيما يبلغ الميزان التجاري عشرة مليارات دولار لصالحها مع عجز عراقي عن فرض عقوبات اقتصادية على الشركات التركية .
لقد كان الزرقاوي يقتل العراقيين فيما لم تتحرج الحكومة الاردنية من ان تطالبنا بأسعار مخفضة لشراء النفط بالتزامن مع تضييق الخناق في مطاراتها على العراقيين, اما الشركات الايرانية فكانت تنتج افضل المنتجات لشعبها فيما تغرق العراق بالبضائع التي عفا عليها الزمن.
ان سلاح الاقتصاد سلاح قوي جدا ولكن لا نحسن استخدامه لأننا لا نمتلك رؤى استخبارية حقيقية عن ما يدور حولنا وليس لدينا أي علم أو معلومات عن دول الجوار ولهذا لا نستطيع الضغط بالعامل الاقتصادي بل اصبحنا سوق هرج لبيع السلع الفاسدة والفاشلة بصمت حكومي غريب
ان العراق بلد متعدد الثروات ذو موقع جغرافي ممتاز ومن أكبر البلدان التي تمتلك مياه ( نهرين ) وهو آخر بلد في مصب النهرين , كما يمتلك ثروات متنوعة واراض شاسعة غير مستصلحة ,لكن المشكلة في الحكومات التي لاتمتلك الارادة ولا القدرة , ولو توفرت الإرادة والقدرة لاصبحنا من أفضل بلدان الشرق الأوسط .
فلو كانت لدينا مؤسسة استخبارية , ولو صغيرة , معنية بالاقتصاد وتفرعاته ومستفيده من سفاراتنا والملحقيات التجارية وغيرها من الأذرع لإمتلكنا قرارا اقتصاديا قويا.
ان علينا تفعيل الجهد الاستخباري الاقتصادي بكل الاتجاهات وان لا نكتفي بأمن اقتصادي لا يحقق لنا ادنى شروط السلامة , كما يجب ان نمسك اقتصادنا بقوه ونعمل على تطويره من خلال ثورة اقتصادية تقوم على اساس تطوير الزراعة والصناعة والسدود والسياحة والمواصلات وغيرها واستثمار اموال البترول في تنمية تلك الاتجاهات وان نستثمر مواردنا لصالح اقتصادنا لا لصالح دول الجوار والشركات العالمية الكبرى.
ان عدم وجود استخبارات اقتصادية تهتم بمكافحة التخريب الاقتصادي ومافيات الفساد الاقتصادي في داخل البلد جعل الأجهزه الرقابية المتعددة والفاسدة في الغالب , عاجزة عن القيام بواجباتها وأصبحت الشركات الفاشله تتنافس على سوق العراق لأنه بلا حارس وابوابه مشرعة.
لقد وصل أمر الاستهتار بالأموال العراقية حدا صار العراقي يستمع إلى قصص حقيقية أغرب من الخيال ومنها ما حصل قبل سنوات وكشف مؤخرا حيث تعاقد تاجر عراقي مع وزارة النقل على انتشال كافة الغوارق مجانا من المياة الاقليمية العراقية مقابل حصولة على حديد الغوارق . ليكتشف لاحقا ان وزارة النفط تعاقدت مع شركة هولندية بمبلغ 110 مليون دولار لانتشال باخرة واحدة فقط . وكان العراقي مستعد لانتشالها مجانا مقابل حديدالسفينة وهو الرابح دون تكاليف على الحكومة !!!! وللقارئ ان يتصور مدى الاستهتار بمقدراتنا الاقتصادية دون رادع أو رقيب .
=============
هيمنة بلا شروط
=============
ان ما نقوم به في العراق هو بناء مؤسسات أمنية للأمن الاقتصادي ولكن بلا هدف أو بوصلة , وسرعان ما أصبح العراق يأكل ويلبس ويبني ويعالج ويدرس بتجهيزات من دول الجوار دون سياسة التجارة المشروطة.
ففي الدول النامية أو تلك التي تبحث عن النهوض الاقتصادي , يُشترط على الشركات الاجنبية التي يتم الاستيراد منها , أن تقوم تلك الشركات بتشغيل معاملها في البلد المستورد .
فبدلاً من أن نستورد الدجاج من ايران , فاننا نشترط ان تقوم الشركات المصدرة من انشاء حقول دواجن في العراق , وهكذا في كافة المجالات الالكترونية والسيارات والعتاد بالاضافة الى اشتراطات تضعها الدول لتتخلص بعد فتره من الاستيراد المفرط .
لقد وصل الامر بنا في العراق لدرجة ان بعض معامل الادوية في دول الجوار كانت تنتج لنا حصرياً ادوية عفا عنها الزمن ولم يعد الطب ينصح باستخدامها , فكانت تلك المعامل تنتج لنا فقط دون ان تستخدم ذلك الدواء في بلدانها .
========
خلاصة
========
الاستخبارات الاقتصادية هي كغيرها من انواع الاستخبارات تتيح لمصدر القرار معلومات وتحليلات اقتصادية تنتج عنها قرارات مصيرية سواء كان الامر في السلم او الحرب .
وبالتاكيد ان اية دولة او شركة كبرى , من مصلحتها ابقاء اية دولة لاسيما المجاورة لها في فلك التخلف والاستهلاك .
ومن هنا تتنبه الدول لاسرارها الاقتصادية وتسعى لنهضتها الاقتصادية مما يتوجب عليه مكافحة التخريب الاقتصادي والتزود بالمعلومات الاقتصادية عن دول الجوار واستقراء تجارب الاخرين وسد الفجوة العلمية والاقتصادية والسوقية معهم , وهنا يأتي الدور الحيوي للمعلومات عبر الاستخبارات الاقتصادية , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب