قبل اكثر من احد عشر عاما في مثل هذه الايام كان صدام التكريتي يتجرع غصة بعد غصة ما هو اسوا من الموت . قرتا عينه ، السادي المعاق ، والاخر المجبول على الجريمة وابنه ضاقت بهم الارض بعد ما رحبت فانتهى امر شجاعتهما اليائسة البائسة الى ان يتحولا الى جثث منتفخة خاط الجراحون ما تيسر من شقوقها لتظهر بمظهر لائق امام عدسات التلفزة . المنكوبتان حلا ورغد اللتان شاهدتا في غمرة ايام العز من الثكل والمصائب ، تلقتا من التشريد والخوف والبهذلة ما لا تملك الا ان تؤمن بنزول القصاص الالهي عليهما بابشع صوره . فقد تبدل الحال من فتاتين لا تقبلان بالتسوق الا من افضل متاجر كوليت باريس و هارودز لندن و مارين بلاتس ميونخ ، الى معتوهتين تطاردهما اشباح جرائم الاب والاخ والزوج وابن العم والعم و..و...و...و في اليقظة والمنام . اما الزوجة النزقة عاشقة ما ندر من اللقى العراقية التاريخية ، فهي لم تكن باحسن حالا من الاخرين فقد جربت الثكل والتغرب والابتعاد عن "الضنا" من حيث لم تكن تتوقع . ولعلها سبقت الجميع في تذوق طعم الماساة الحقيقية عندما تلقت اخاها وزير الدفاع عدنان خير الله وهو يهبط من السماء القريبة جثة هامدة لا حراك فيها ، هدية من عند الزوج جزاء وفاقا لما قدمه له ايام الحرب العراقية الجائرة على ايران . باختصار في غضون شهر تجرع صدام التكريتي من الانتقام والمهانة ما يساوي في مجموعه ما فعل هو بالعراقيين في ٢٥ سنة . ولحكمة بالغة تأجل موته عدة مرات وافلت من براثن عزرائيل وصواريخ "سام" مرارا ليرى بام عينيه ما صنعت يداه بالاخرين قطرة ثم قطرة ، ثم يتوج كل ذلك بعد ذلك بالموت الذليل الذي حاول ويحاول المتطيفون عرب البعران والبعرور تحويله الى موقف بطولي شجاع يؤهله لنيل نوط شجاعة من فئة "فرار" . كنا نحن الاذلاء المتشبثين بحياة الهوان في العقد الثمانيني نتسابق مع الوقت لنتلحق بوحداتنا العسكرية رغم ان الموت كان يتربص لنا في كل منعطف . فالحديد والنار امامك يقدمان لك اهوال الجحيم قبل موعدها ، ومن خلفك تقف صفوف من الحديد والنار الزيتوني مهمتها التقاط انفاس كل من سولت له امرا للادبار من الزحف المدنس . مجازر بالجملة ارتكبها اصحاب الزيتوني ضد جنود عراقيين ابوا ان يَقتلوا او يُقتلوا في جبهات الشر والعدوان ، فتحولت صدورهم الى ما يشبه مصافي الطبخ من كثرة الثقوب . وقبل ان تصل جثامين هؤلاء (المگاريد) الى ذويهم بثمن بخس، ترتفع لافتة سوداء قرب الباب تخبر العابرين الثكالى عن جبان ولى الدبر فلقي مصيره على يد قصابي العوجة . حتى هذا الفرار - لكن بنوعه المهين - جربه صدام باذل طريقة حيث اصبح رهين القذارتين على مدى بضعة اشهر ... قذاراته وقذارات الجرذان التي كانت تسليه في حفرته المهينة ... بكل ما تبقى في صوتي من حشرجة اغلق كل ثقوبي واصيح بعالي الصوت : اللهم الف شماتة والف تشف ، لا شماتة واحدة . ولا يهز بي شعرة واحدة ان يسمعنى احد المقولة المشروخة بان " التشفي صفة الجبناء " . بكل فخر واعتزاز ساكون اول الجبناء بل واكثرهم جبنا على الاطلاق . ولا يهمني حينها ان يقف ضدي العالم باسره على هذا الجبن مادام القران الكريم يقره ويباركه بله ويبرره : ... (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ )
مقالات اخرى للكاتب