لم يعد صندوق الانتخابات في العالم هو وحده ( صك غفران ) دائم بيد ( النائب) أو ( امتيازا ) ، دون مراجعة مستمرة لما يقدمه بعد النتائج .. وليس الصندوق وحده يؤكد هو فقط ( الاقرب ) لنبض الشعب ، وتحسس همومه ، أو تحقيق ما يريده ..
وهذا الصندوق كذلك ليس وحده يمنح السلطات صفة الديمقراطية ، والاستحقاق لتمثيل الشعب الى الابد ، والى نهاية الدورة البرلمانية ، بدون دفع ( ثمن ) الصوت ، وما يعادل قيمته من البناء والتنمية وتأمين كل مستلزمات الحياة الكريمة للانسان …أي أن تكون هناك رقابة مستمرة للاداء … والمعارضة البرلمانية ، أحد وسائل الرقابة الفعالة في التجارب الديمراطية …
وقد رأينا كيف يكون رد الشعوب وغضبها عندما يكون هناك تراجع أوعدم التزام بالبرامج ، أو ظهور حالات فساد ، واستغلال للمنصب لاغراض غير عامة ..
فاين تجربة المحاصصة والتوافق والتوازن والشراكة من ذلك ..؟..
ما أسهل كسب الاصوات بمختلف الوعود والمغريات و( الاسقاطات ) الذاتية ، بوسائل ديمقراطية ، أو خلافها ، ولكن ما أصعب أن تحتفظ بها عندما لا تضمن الشعوب عائد أصواتها على الارض …
فالديمقراطية ، ليست ( صوتا عاليا ) ، ومقعدا ( مريحا ) في البرلمان ، بل في أن يكون هناك هدف ودور يؤكد ان الصوت ذهب لمستحقه ، وانه أهل لهذه الصفة والمسؤولية التي تحقق للشعب ما يريده من تقدم وبناء وقوة وسيادة وامن واستقلال .. ؟..
أي أن الديمقراطية اليوم تعني أن في مقدمة اهدافها أن تكون للنائب اسهامة واضحة في التنمية ، وهي سمة العالم المتحضر والمتطور اليوم، وهي التي تعطي للمنصب قيمته المادية والاعتبارية …
فالانجاز الديمقراطي هو ما يميز العالم المتطور عن العالم ( النائم ) الذي يتغنى بالانتخابات فقط ، وكأنها ( فتح الفتوح ) ويطالب باستحقاقاتها من المناصب والرئاسات والامتيازات ، ولكنه يصادر حق الشعوب في اصواتها المتمثل بعائدها من التنمية ..
وهذا العالم المسمى بالثالث يتباهى بالديمقراطية ، وبانه منح شعوبه الحرية ، وفتح الافواه على أخرها لتقول ما تريد ، وليس لتأكل ما تحتاجه ..على حد تعبير احد المفكرين ..
وهناك من يتساءل ما قيمة الديمقراطية عندما تتحول الى محاصصة ترضي مكونات ، تحمل شعوبها اعباء مالية وسياسية وتجعلها تدور في دوامة الازمات المستمرة ، او يتحول البرلمان الى وسيلة شرعية للمغانم ، وتأمين الحماية المادية والشخصية للنائب حتى بعد مغادرته البرلمان ..
فالعالم اليوم في تطور متسارع ، والديمقراطية هي ايضا في تطور … فهناك من المفكرين من لا يقيس الدول بديمقراطية البرلمان في الكلام .. ولكن بالعمل ، او بالتنمية المستدامة ، لانها هي من يعطي للعقل حريته في الابداع والتطور، والتعبير عن المنهج الصحيح في الحكم والحياة ، والدول مكانتها ..
ومن بين العلماء والمفكرين في السياسة من ذهب أبعد في ( التنظير ) فيرى ان العصر هو ( للتنمية ) حصرا ، وان عصر ( الديمقراطية البرلمانية يقترب من نهايته ) ، ومنهم عالم السياسة ( سيمون تورمي ) في كتابه ( نهاية السياسات النيابية ) الذي صدر العام الماضي في لندن ، وأثار جدلا وتساؤلات في علم السياسة عن دور الاحزاب في التنمية والبناء ..
وهذه الرؤية تعد انتقالة نوعية في دور الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني بان تكون لها برامج تنموية ، ووسائل محددة لتحقيقها ، ودور فيها ، وهو الركن الاساس في الانتخابات وفي الرقابة الشعبية والحزبية أيضا ، لان الحقوق الاقتصادية للمواطن لا تقل اهمية عن حقوقه السياسية ..
ومن هنا نجد أصحاب القرار في الكثير من الدول يعقدون لقاءات دورية منتظمة مع المثقفين والمفكرين والكتاب من مختلف التيارات والاتجاهات لاستطلاع ارائهم في ما يحصل في البلاد من تطورات وازمات وطرح مقترحات ، وتعقبها قرارات في ضوء ما يتمخض عن الحوارات من حقائق كانت غائبة عن صاحب القرار ..
السياسة علم متطور ، والديمقراطية اسلوب حياة هي متطورة أيضا .. وليست افكارا ( متحجرة ) ، لا تواكب روح العصر، ولا تستجيب لحاجاته المتغيرة ..
{{{{{{{
كلام مفيد :
قول الحقيقة وازعاج الناس ، افضل من الكذب لارضاء الناس ( باولو كويلر ) ..
مقالات اخرى للكاتب