يتحدث العالم اليوم بفخر عن رئيس دوله أسمه خوسيه موخيكا يقترب من الثمانين عمراً، ولكنه عصري الصحة، والقناعة، وعزة النفس . من أروع ما نطق به : ( من يعشق المال لا يصلح للسياسة ) الطريق المؤدي إلى بيته الريفي الصغير الذي يعيش فيه بمزرعته التي يزرع الورد فيها طريقاً ترابياً، لم يفكر بأكساءه لأن في بلده يوجد فقراء عليه معالجة وضعهم أولاً، وذهاب الأموال إلى المنافع الاجتماعية لمعيشتهم أهم وأحوج، يتبرع براتبه الذي يتجاور أثنى عشر ألف دولار لهؤلاء الفقراء، ويحتفظ لنفسه بألف ومائتان وخمسون دولار فقط ، وعندما سُئل عن السبب قال : ( يكفيني هذا ) أما زوجته فتعتاش من راتبها .
سيارته الفولكس واكن (ركة ) القديمة المتهالكة لا يتعدى سعرها الألفي دولار، وبالرغم من أنه رئيس دولة إلا أنه يزرع الورد بيديه المبروكتين، ويقطعه ليعرضه لمن يشتري، أنه غير مسلم ولكنه يسير على طريق الإمام علي، الذي كان يعمل أجيراً لدى أصحاب البساتين من أهل يثرب وأنصار الٍاسلام فيها .
أن هذا الكافر في نظر الغشاشين، والأميين، الذين يخدعون بسطاء الناس باسم الدين، ويأكلون أرزاقهم، يعمل العكس لأنه يخدم الفقراء ويعطيهم أكثر راتبه .
نَقلَ بلاده إلى المرتبة الثاني في الشفافية بعد تشيلي، على حساب دول أمريكا الجنوبية الأخرى، ومنها دول تصنع الطائرات، والصواريخ، والهليكوبترات، مثل البرازيل والأرجنتين وغيرهما من الدول ذات الدخل السنوي العالي جداً ولكن الفساد ينخرها حتى العظم ولم تتطور أخلاقيا بمستوى تطورها العلمي .
احتلت الأوروغواي الموقع ( الثامن والأربعون ) عالمياً، وحققت دخل فرد مرتفع ونمو متزايد مع أنها تعتمد على الزراعة، ومساحتها ثلث مساحة العراق، ولهذا استحقت عن جدارة أن تعطيها منظمة الشفافية الدولية الدرجة الأقل فساداً في قارتها، وعندما سمع خوسية أن هنالك امرأة لديها أربعة أطفال عجزت مصلحة الرعاية عن توفير ملجأ لها ولأطفالها، أمر بإسكانها في القصر الرئاسي حتى وفرت لها المصلحة مكاناً مناسباً .
كل وسائل الإعلام الورقية والالكترونية العربية والمسلمة، التي تنقل أخبار هذا الرئيس العادل التقي الوفي، تضع إلى جانب صورته أما صورة نيلسون مانديلا، أو صورة المهاتما غاندي، ولم ألاحظ صورة لأي حاكم عربي أو مسلم، لذا من حق خوسيه علينا أن نقول وبالنيابة عنه أنه مسلم السلوك وأن لم ينطق بالشهادتين، وعن حكامنا أنهم خونة كفرة وأن لم يُلحدوا، وهذا الوصف ليس من عندي بل إنه من الله ورسوله وصحبه الأبرار (خير الناس من نفع الناس ) .
ومن حق أي مواطن أن يقول هذا لأن ما أكثر الحديث عن المفسدين، وما أقل الإشارة أليهم وفضحهم، مثلما حصل مع أولمرت رئيس وزراء إسرائيل السابق التي ننعتها بأقسى العبارات ( ولا نعمل بقوانين توازي قوانينها ) والذي حكم عليه بالسجن ستة سنوات لاستلامه رشوة بمبلغ تجاوز ثلاثمائة ألف دولار وهي رشوة لا يقبل بها (كاتب سر) أحد ساستنا أو أعضاء في البرلمان، وما حصل مع برلسكوني رئيس وزراء أيطاليا ليس ببعيد. فأين المفسدين في بلد درجته ضمن العشرة الأولى عالميا ؟؟؟؟؟ . أفتونا يا من يعنيكم الأمر بذلك أخزاكم الله وأذلكم !!!!!! .
وعودةً إلى قوله : من يعشق المال لا يصلح للسياسة أقول : للذين تحولوا من حفاة إلى أصحاب مليارات، متكبرين، متغطرسين، ألم تمتلئ بطونكم من جيف الحرام ؟؟؟؟ وكذلك نسائكم وأولادكم وحشمكم وخدمكم، الذين تجاوزت أعدادهم أعداد خدم هدام، وجعلتمونا أمام واحداً من أمّرَ وأصعب خيارين عندما نقارن بينكم وبين الطاغية الكريه، أذا كنتم تؤمنون بالله والجنة والنار فأعلموا أنكم في قعر جهنم لأنه ليس هنا عراقي واحد سيبرئكم الذمة، وعندها سيتنعم بالأموال التي سرقتم غيركم وأنتم إلى سقر، وفوق كل هذا وذاك حولتم مرابع بلداننا إلى ساحات قتال شرس تلتهم نارها أجساد أبنائنا وعقولهم .
لقد قلتها سابقاً وأقولها اليوم أما سياسة طهارة ( من الطُهر )، وأما تجارة بوضاعة وحقا.....، ومن المستحيل الجمع بينها لأنهما لا يتشابهان، مثلما لا يتشابه خوسية، وحكامنا، الذين شرعوا أوسع ابواب الفساد فاستحقوا المذمة .
مقالات اخرى للكاتب