التنافس ظاهرة طبيعية وصحية , اذا كانت تعتمد اساليب ومقاييس حضارية واخلاقية ومهنية , وهي لازمة من لوازم العمل السياسي لإتاحة فرصة لجمهور الشعب الناخب أن يقارن ويفرز بين الوجوه والبرامج والتوجهات . لكن التنافس له ثقافته و مرجعيته الاخلاقية , وكلما كانت البيئة والتقاليد والهدف حضاريا كلما كانت اليات التنافس حضارية ايضا واخلاقية . والا فان عملية المهاترات و التسقيط , ونشر الغسيل الوسخ لكل متنافس لغريمه , تشوه العملية والهدف والبيئة نفسها .
في العراق هذا البلد حديث العهد بالديموقراطية وثقافتها واليات التنافس . يستحضر البعض اساليب رخيصة جدا في النيل من الغريم وفي تسقيطه والنيل منه , ولكن ليس بنقد البرنامج لا تأشير الخطأ ولا السباق الفروسي الذي يعتمد الاخلاق , انما بالتسقيط والنيل من الذات الشخصية او احيانا بكيل الاتهامات والتكهنات حوله .
العمل ضمن تنوع سياسي وفكري وحتى مذهبي او قومي , حالة لم يعهدها سياسيو العراق قديما , كذلك فهي لم تتكرس لديهم بفعل القدم والتجربة , كما ان البديل لها هي حالة الضعف والتناحر وعدم الوصول الى الهدف . وهذا ما أخر العملية السياسية في العراق وآخر التنمية والاعمار , واقتطع احد عشر سنة من عمر النظام الجديد اذهبها سدى , بل انها اسقطت كتلا واحزابا كثيرة , جراء انشغالها بالتسقيط والمهارشة بدل البناء والتنمية . وتطورت الحالة من حالة تنافس غير مهني ولا عملي , الى عملية مزايدة , وتكرست هذه المزايدة بحيث ان الكل في السلطة , والكل يرمي تهمة التدهور الامني والخدماتي على غيره . وكأنه غير معني بها .
عملية المزايدة هذه كانت النتيجة السيئة والمأساوية , والبديل التلقائي لثقافة تسقيط وعرقلة واتهام .
من ينظر الى التحالف الوطني ككتلة تمتلك الاغلبية السياسية في البرلمان وتستطيع لوحدها وبحجمها أن تمرر كل القوانين بالبرلمان دون الاعتماد على تصويت لأخرين , يدرك حجم العرقلة التي يمكن ان تخلفها عملية الصراع الشخصي الدائم بين اعضاء الكتلة الواحدة .
وهكذا باقي الكتل الكبيرة المتجانسة فكرا ومرجعية واهدافا , ولكنها غير متجانسة نفسيا , ولا تعمل بروح الفريق الواحد . لذلك يستطع المالكي من هذا التحالف تمرير اي قرار بالبرلمان دون اعطاء تنازلات لهذه الكتلة او تلك .
ولم يستطيع ان يجمع الرأي على وزراء في وزارته لان الاجنحة لم تتفق على مرشح واحد وتفرضه .
وهذا اخطر ما واجه العملية السياسية وما سوف يواجهها مستقبلا , وما يجعل كثرة الكتل والسياسيين عاله على الاخرين وعلى أنفسهم وعلى الشعب ايضا .
المصلحة الوطنية غائبة في طريق الوصول الى الهدف الوطني المشترك , كما ان ثقافة الاختلاف غير مطروحة جديا في فكر الكتل والسياسيين .
وهذا بعينه ما يخدم حالة الفوضى القائمة . في كل الاجندة والمهام والبرامج , وينعكس على الشعب سلبيا , ليأخذ الانطباع اللازم , بان في البلد فرقة وفرقة حقيقة موجودة في كل تفصيل من تفاصيل العملية السياسية.
للأسف لم اجد تعليمات محددة ومؤطرة قانونيا ودستوريا , لما يجب ان يقف عنده المرشح , وما يجب ان يسير فيه بشأن الاختلاف , او ما هي الحدود التي يتوقف عندها الشخص في مجال النقد والتسفيه السياسي والانتقاد , التسقيط .أكبر متضرر كان من عملية المزايدة و التسقيط هو الكتلة الكبيرة , لأنها وان ربحت الانتخابات اخيرا , لكنها خسرت رصيدها ومصداقيتها طيلة ثمان سنين , وجاء فوزها الاخير ليس من اعجاب , وإنما من حالة يأس شعبي من التغيير ومن التقدم . ومن اساليب اخرى مارسها السياسيون , لتخويف الشعب على مستقبله . ستكون المزايدة والاتهامات والتسقيطات اكبر عندما يستلم هؤلاء السلطة , الان وفي مرحلة الطعون بالنتائج ربما تكون التسقيطات مقتصرة على طريقة الانتخاب , لكنها غدا ستكون محاورة عابثة فوق رؤوس المساكين .
مقالات اخرى للكاتب