دعوة الجهاد الكفائي كانت حافزا رفع من معنويات الجنود العراقيين ، وزاد من همتهم ، لكنَّ ذلك لا يمنع من ضرورة تصويب واقع هذه الدعوة على الارض .
الكثير من القضايا التنظيرية تشكل حاجة ماسة للمجتمع ، وتبدو للوهلة الاولى انها قادرة على تغيير ما به من بؤس ، لكنّها تواجه صعوبات الواقع عند التطبيق . لذلك تكون أهمية التطبيق على الارض اكبر من الجانب التنظيري .
ان وحدة الصف ومتطلبات الحشد الوطني جعلتنا نتجاوز حقيقة الأسباب المؤدية للانكسار العسكري الراهن ، ونبتعد عن سرد الأسباب التي تراكمت منذ سنين سياسيا ودينيا وإداريا واجتماعيا لتنتج منظومة عسكرية وأمنية هشّة . لكن لن نسمح بان يساق إخوتنا لمحرقة عشوائية تحت وطأة الفوضى القيادية والإدارية ، وبتأثير الوهج العاطفي لفتوى تعاني من إسقاطات الكلاسيكية الدينية .
من هنا لابد اذا من كتابة النقاط الآتية ، لتنبيه مستشاري المرجعية وخبرائها حول حقيقة ما يجري على الارض :
١ - ان الجيش في عموم المناطق الساخنة كان ولازال خاضعا لضباط وآمري أفواج من المكون الكردي والعرب الرافضين للعملية السياسية ، لذلك سقطت الموصل وما تلاها من مدن بعد انسحاب ( اختياري ) لهؤلاء الضباط .
٢ - تخضع القوة الجوية في اهم مفاصلها لضباط يرتبط الكثير منهم اجتماعيا وتاريخا بالتنظيمات الإرهابية المسلحة .
٣ - تتواتر لدينا رسائل إخواننا الجنود من أبناء الجنوب ، والتي تقول ان ضباطهم - من المرتبطين اجتماعيا بالمنظمات المناوئة للعملية السياسية - قد طلبوا منهم إلقاء السلاح والعودة الى مدنهم - تحت حماية الثوار ! - ، الا ان الكثير من الجنود رفضوا الامر ، فانسحب هؤلاء الضباط ، وبقيت الكثير من الوحدات تدار من قبل ( المراتب ) القدامى بدافع الغيرة والوطنية . وقد وردتني شخصيا عدة رسائل من الأنبار تؤكد هذا الامر .
٤ - اثبتت الأحداث الجارية ان اغلب آليات وأسلحة الجيش العراقي غير فعّالة ، ورغم مناشئها العالمية الا انها وردت للعراق بمواصفات رديئة وبتعمد ، كما انها عانت من سوء الوقود وانعدام الصيانة لاحقا ، فيما لم تكن القيادة العامة تستشعر خطر ما يجري !. ( بعض الآليات يجب ان تغطي اتصالا بمسافة عشرات الكيلومترات ، الا انها في الواقع لا تغطي اكثر من كيلومترين . وبعض كتائب الدرع لا تعمل الا بأقل من نسبة ٥ ٪ ).
٥ - تعاني وحدات الجيش التي تنحسب من مناطق القتال بصورة نظامية من إعاقة قوات البيشمركة لها ، حيث تطلب من قوات الجيش العراقي تسليم الأسلحة ليتم السماح لها بالمرور ، وفي حالة الرفض تقوم الوحدات المنسحبة بتبليغ قيادة العمليات في بغداد بالموقف المخزي للبيشمركة ، لكنّها تفاجئ بطلب القيادة المركزية منها ان تقوم فعلا بتسليم أسلحتها لهم !! ، مما اضطر بعض القطعات لمقاتلتها ومواجهتها من اجل المرور نحو ديالى مثلا .
٦ - الكثير من الأفواج تنسحب بصورة ارتجالية من المناطق المنهارة ، بعد معاناتها من تناقضات أوامر القيادة المركزية . وبسبب دافعها الوطني ترفض حلّ أفواجها ، فتنسحب باتجاه مناطق ساخنة اخرى ، وبالتعاون مع قطعات صغيرة متواجدة هناك .
٧ - أوجد بعض الضباط - ذوي الرتب المتوسطة والصغيرة - وبعض المراتب - الذين سيطروا على قطعاتهم بعد انسحاب الضباط المتواطئين - وضعية تحمي تشكيلاتهم بصورة محلية وارتجالية ، وذلك بالتآزر والتجاور والأسناد ، بعيدا عن أوامر القيادة المركزية القاتلة .
٨ - تفتقد القوة الجوية حتى اللحظة لخطط عسكرية واضحة ومنطقية ، من حيث إرباك العدو وفتح الثغرات وتأمين انتقال الوحدات العسكرية ، ولا يمكن فهم حقيقة دورها مع تعزيز دائم لخطوط العدو ! .
٩ - لم تتم حتى محاسبة اية قيادة عسكرية متخاذلة او متواطئة . كما لم تتدارك القيادة السياسية والقيادة العامة عوامل انهيار الوحدات العسكرية ، والمتمثلة بتواطئ ضباط مناوئين للعملية السياسية ، اوالتأثير الاجتماعي على باقي ضباط ( العرب السنة ) .
١٠ - حتى الان ليس هناك تنسيق عسكري شامل بين الوحدات العسكرية ، ويتم التحرك غالبا بصورة آنية وتحت تأثير ردات الفعل .
١١ - اغتنمت المجاميع المسلحة الإرهابية جميع تجهيزات وأسلحة الوحدات العسكرية المنهارة ، وهي تستخدمها حاليا في خداع التشكيلات العسكرية العراقية والمواطنين ، حيث يرتدي الكثير منهم رتبا عسكرية كاذبة .
١٢ - تعاني أفواج المتطوعين الذين استجابوا لفتوى المرجعية والذين حملتهم غيرتهم الوطنية للتطوع من الادارة الفاشلة وغير المسؤولة لقيادة الجيش . حيث لم تجد تلك الأفواج المتدفقة لا الماء ولا الغذاء اللازمين لسد الرمق عند وصولها لمراكز استقبال المتطوعين في بغداد . ولم تجد اي دلائل لإمكانيات الدولة التي تدخل على نفوسهم الاطمئنان ، ولم يروا أثرا لجدية القيادة العسكرية ، مما جعل بعضهم ينكسر عائدا ، فيما يصل الآخرون منهكين لخطوط المواجهة ! .
١٣ - تطلب القيادة العسكرية في اجراء ( مخزي ) من آلاف المتطوعين جلب أسلحتهم الشخصية وعتادهم ! ، وهي أسلحة وأعتدة مختلفة النوعية والكمية ، مما شكل فوضى تجهيزية ، تثبت ان القيادة العسكرية في وادي والعراق وأحداثه في وادي اخر . ولو ان القيادة العسكرية توزع الأسلحة التي تترك في المقرات التي ينسحب منها قادة الفرق على المتطوعين لكان افضل من ان تغتنمها قطعان ( داعش ) ، الا ان الغريب هو حدوث الامر الثاني ! .
١٤ - لازالت الوحدات الصامدة والوطنية من الجيش وأفواج المتطوعين تعاني أزمة تموين حقيقية وغير مفسرة او مبررة ، حيث لا يصل لقطعات الجيش اكثر من وجبة غذائية واحدة في الغالب ، بينما يعاني المتطوعون اكثر من ذلك في كثير من أماكن تواجدهم ، حيث ليس أمامهم سوى ( البسكويت ) !.
١٥ - اثبتت القيادة السياسية انها لا تجيد اللعب بالأوراق غير العسكرية ( الاقتصادية وغيرها ) محلياً ودوليا ، حيث لم تستطع حتى الان التأثير على الدول الداعمة للإرهاب - والتي ترتع شركاتها وتجارتها في العراق - ، كما انها تفقد السيطرة على جبهتها الآمنة اقتصاديا !.
١٦ - تشكل منظومات الرتب والإدارات البعثية والصدامية - التي تمت إعادتها للمؤسسات الحكومية المختلفة - غطاءً آمنا لتحرك الخلايا البعثية في المدن الآمنة ، دون ان تعي الأحزاب الحاكمة خطورة دورهم .
١٧ - الغرور والعنجهية التي تعيشها الكثير من الشخصيات المتنفذة اداريا وسياسيا تجعلها غائبة تماماً عن حقيقة ما يجري على الارض ، حيث تسير حياتها اليومية برتابتها وتعاليها المعهودة ، بعيدا عن هموم القيادات الاجتماعية ، مما خلق نفورا من المؤسسة الرسمية وشبه الرسمية .
١٨ - لازال التساؤل كبيرا عن حقيقة الإمكانية اللوجستية والتجهيزية للدولة ، مع غياب دلائل ذلك على الارض ، سواء في مناطق القتال او المناطق الآمنة - التي تشكل عمق استراتيجيا للجهد الحكومي - . وقد كشفت الأحداث الجارية ان المؤسسات القيادية لم تكن تملك اية رؤية مستقبلية ، بل انها لولا فتوى المرجعيات لانهارت في بداية الأزمة !.
١٩ - تقيم كوادر قيادية مهمة للإرهابيين في أربيل ، عاصمة اقليم عراقي ، يتم تمويله من خزينة الدولة العراقية ، دون وجود تفسير او اجراء قانوني او سياسي !.
٢٠ - ان الكثير من الوزراء والسياسيين العراقيين اثبتوا فشلهم في اغلب المهام التي أوكلت اليهم سابقا ، فكيف نتوقع منهم النجاح في الإشراف على القطعات الأمنية والعسكرية المتواجدة في المناطق الساخنة ؟!، وذلك يعني ان القيادة السياسية للبلد لا تملك رؤية واقعية لما يجري .
21 – ان سياسة ( الصفقات ) ومؤسسات ( المواقف الارتجالية ) التي تديرها الاحزاب المختلفة في دائرة السياسة العراقية , بكل اديانها وطوائفها وقومياتها , تسببت بشق الصف الوطني , وزيادة حالة النفور المجتمعي , مما سمح للمشاريع التقسيمية الخارجية الاقليمية والدولية بالتغلغل وزيادة الشرخ الاجتماعي . وتوافق المصالح ( غير النزيهة ) للكثير من السياسيين والاحزاب ( المخابراتية ) مع مصالح القوى الدولية الشيطانية منع العراقيين من مختلف الطوائف والقوميات من الجلوس الى طاولة الحوار والتفاوض ووضع النقاط على الحروف طيلة السنين الماضية , عبر استغلال عاطفة ومظلومية الطوائف والقوميات التي سحقها النظام البعثي السابق , وكذلك استغلال مخاوف النسيج الطائفي والاجتماعي الذي كان مستفيدا من وجود النظام البعثي .
...
كان من المفترض دفع الضباط المناوئين للديمقراطية في العراق ، او الذين ينتمون للحواضن التي تؤمن بالفكر التكفيري ، الى القطعات الكثيفة على الحدود العراقية الإيرانية ، لان ذلك كان كفيلا بإبقائهم يستشعرون خطر التحرك ، لما يحمله ذهنهم من عدو مفترض يقابلهم على الحدود . لكن حتى اللحظة لا أستطيع استساغة المستوى الضحل لعقلية القيادة السياسية العراقية ، والتي جعلتهم أمراء الأفواج في مناطق تعيش ذات الفكر المناوئ الذي يتعاطفون معه !، هذا اذا قبلنا بعذر إعادتهم للخدمة تحت بند المصالحة الوطنية ، التي اثبتت انها مصالحة سياسية فقط .
...
ان زمن الفتاوى الجهادية العشوائية - التي تعتمد على ارتجالية التنفيذ الشعبي - اصبح من الماضي ، مع تطور وسائل المواجهة اليوم ، لذلك يجب على المرجعية ان تعيش واقعية العصر الحديث ، فتشرف على خطوات تنفيذ الفتوى ، لتكون منتجة وناجعة . لان القيادات السياسية والعسكرية لم تثبت انها جادة في احترام هذا التدفق الشعبي ، او توظيفه بما يكفل الانتصار وتحقيق الغايات .
كما ان الفتوى تفتقر الى خطوات عملية تختص بالشق السياسي والاجتماعي , الذي سيكون كفيلا بإيقاف نزف الدماء العراقية , والتي تنزف في مصلحة المشاريع التقسيمية .
...
اقترح شخصيا :
( تشكيل وحدات عسكرية عشائرية ، بمعنى ان تكون كل عشيرة وحدة عسكرية قائمة بذاتها ، بذات الترتيب العسكري الحديث . حيث لا توجد عشيرة عراقية خالية من ( الضباط المدربين ) . وهذا يكفل عدم تزعزع وحدات المتطوعين لأسباب عشائرية واجتماعية ، حيث سيدافع كل فرد عن شريكه في الدم ، ولن ينهزم الضباط لأسباب القربى . فيما ستقاتل هذه القطعات بقوة وخبرة معروفة عن العشائر العراقية الشرسة . وعلى الحكومة العراقية واجب تجهيز هذه القطعات والتنسيق فيما بينها . على ان تشترك جميع العشائر الراغبة بكل مذاهبها وقومياتها . ويتم تقدير الأموال اللازمة لتوفير الدعم اللوجستي وتسليمها لأمراء وضباط هذه العشائر ، فيكونون مسؤولين عن توفير مؤونة وحداتهم ، والتي سيحرصون على توفيرها بكل تأكيد . ولن يسمح التحدي العشائري بتقهقر هذه الوحدات . على ان تبقى هذه الوحدات ( جيشاً رديفا ) ، يتم حله بمجرد عبور الأزمة ، مع تعهد الحكومة العراقية بدفع مستحقات مالية وعينية مجزية للمقاتلين ، تشكر لهم دورهم الوطني ، ولن تكون تلك الأموال اكثر مما تفقده الدولة العراقية كغنائم ( داعشية ) . وهذا يعني بقاء الجيش العراقي الحالي جيشاً نظاميا قائما ، مع اعادة هيكلته قيادة وتجهيزا . وإمكانية ذلك لازالت قائمة وواقعية . على ان تشكل المرجعيات الدينية والسياسية والاجتماعية لجانا مشتركة للإشراف على جدية توظيف الحشد الوطني وفعاليته ، ولضمان احترام مشاعر هؤلاء الآلاف من المتطوعين من قبل المؤسسات القيادية المختلفة ، كما يدفعها للعمل والتحرك . كما يجب ان تشرف هذه اللجان على تدفق المواد والحاجات الضرورية للمدن والقرى العراقية وأسواقها ، بالتعاون مع الجهات المختصة - التي لا تزال غائبة - ، لإشعار عناصر القوات المسلحة بأمن عوائلهم . ) .
هذا فيما يتعلق بالتهديد الامني الراهن , لكن المقترح الاهم يرتبط بالشق الاجتماعي والسياسي :
( تتبنى المرجعية الدينية – بأبوتها وعمقها التاريخي الشريف – رعاية حوار وطني شامل لجميع الطوائف والقوميات العراقية , يستند الى الصراحة وحفظ الحقوق والكرامة , ويعي مصلحة الجميع . على ان تكون يد المرجعية – التي اثبت الشعب انتمائه لها – اعلى من يد السياسيين – ذوي المصالح الضيقة - . وذلك باستغلال الروح الوطنية الرافضة لوجود التكفيريين والظلاميين , في مختلف الاراضي والمدن العراقية , والدور المشرف للعشائر العراقية بمختلف اطيافها . مع ضرورة افهام كل الاطراف بالأخطار المحدقة بالجميع , حيث ان العراقيين جميعا اليوم صاروا وقودا لمشاريع بعيدة عن مصالحهم , دون ان يعوا ذلك . على ان تعمل المرجعيات المختلفة على تهدئة النفوس وايقاف الاندفاع العاطفي غير المتعقل . واقناع كل الاطراف بعدم جدوى معاداة الاخرين , واهمية التخلي عن المنظومة البعثية الفاشية والمستغلة والفكر التكفيري الظلامي المانع للحريات والمعتدي على الاعراض والحقوق . ) .
ان المقترحين أعلاه يكفل تحقيق عدة ضرورات وطنية ومقترحات سابقة لمعالجة الأزمة الأمنية ، وبالتالي فتح الباب لمعالجة باقي الأزمات التي يعاني البلد وجودها .
مقالات اخرى للكاتب